عليها الحرفية ، ويحتج بما حكي عن بعض العرب أنه قال : «ليس الطّيب إلا المسك» فرفع الطّيب والمسك جميعا ، وبما حكي أن بعض العرب قيل له : فلان يتهدّدك ، فقال : «عليه رجلا ليسي» فأتى بالياء وحدها من غير نون الوقاية ، ولو كان فعلا لوجب أن يأتي بها كسائر الأفعال ، ولأنها لو كانت فعلا لكان ينبغي أن يرد إلى الأصل إذا اتصلت بالتاء فيقال في لست «ليست» ألا ترى أنك تقول في صيد البعير «صيد البعير» فلو أدخلت عليه التاء لقلت «صيدت» فرددته إلى الأصل وهو الكسر ، فلما لم يردّ هاهنا إلى الأصل ـ وهو الكسر ـ دل على أن المغلّب عليه الحرفية ، لا الفعلية ، وقد حكى سيبويه في كتابه أن بعضهم يجعل ليس بمنزلة ما في اللغة التي لا يعملون فيها «ما» ؛ فلا [٧٤] يعملون ليس في شيء ، وتكون كحرف من حروف النفي ؛ فيقولون : ليس زيد منطلق ، وعلى كل حال فهذه الأشياء وإن تكن كافية في الدلالة على أنها حرف فهي كافية في الدلالة على إيغالها في شبه الحرف ، وهذا ما لا إشكال فيه ، وإذا ثبت أنها لا تتصرف وأنها موغلة في شبه الحرف فينبغي أن لا يجوز تقديم خبرها عليها ، ولأن الخبر مجحود فلا يتقدم على الفعل الذي جحده على ما بيّنا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على جواز تقديم خبرها عليها قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] وجه الدليل من هذه الآية أنه قدّم معمول خبر ليس على ليس ، فإن قوله (يَوْمَ يَأْتِيهِمْ) يتعلق بمصروف ، وقد قدّمه على ليس ، ولو لم يجز تقديم خبر ليس على ليس وإلا لما جاز تقديم معمول خبرها عليها ؛ لأن المعمول لا يقع إلا حيث يقع العامل ، ألا ترى أنه لم يجز أن تقول «زيدا أكرمت» إلا بعد أن جاز «أكرمت زيدا» فلو لم يجز تقديم «مصروف» الذي هو خبر ليس على ليس ، وإلا لما جاز تقديم معموله عليها ، والذي يدل على ذلك أن الأصل في العمل للأفعال ، وهي فعل ، بدليل إلحاق الضمائر وتاء التأنيث الساكنة بها ، وهي تعمل في الأسماء المعرفة والنكرة والظاهرة والمضمرة كالأفعال المتصرفة ، فوجب أن يجوز تقديم معمولها عليها ، وعلى هذا تخرج «نعم ، وبئس ، وفعل التعجب وعسى» حيث لا يجوز تقديم معمولها عليها ، أما «نعم ، وبئس» فإنهما لا يعملان في المعارف الأعلام ، بخلاف «ليس» فنقصتا عن رتبتها ، وأما فعل التعجب فأجروه مجرى الأسماء لجواز تصغيره فبعد عن الأفعال ، ومع هذا فلا يتصل به ضمير الفاعل ، وإنما يضمر فيه ، ولا تلحقه أيضا تاء التأنيث ، بخلاف «ليس» فنقص عن رتبتها ، وأما «عسى» وإن كانت تلحقها الضمائر وتاء التأنيث