كليس ، إلا أنها لا تعمل في جميع الأسماء ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يكون معمولها إلا «أن» مع الفعل نحو «عسى زيد أن يقوم» ولو قلت «عسى زيد القيام» لم يجز ؛ فأما قولهم في المثل «عسى الغوير أبؤسا» فهو من الشاذ الذي لا يقاس عليه ، فلما كان مفعولها مختصا بخلاف «ليس» نقصت عن رتبة ليس ؛ فجاز أن يمنع من تقديم معمولها عليها ، ولا يجوز أن تقاس «ليس» على [٧٥] ما في امتناع تقديم خبرها عليها ؛ لأن ليس تخالف ما ، بدليل أنه يجوز تقديم خبر ليس على اسمها نحو «ليس قائما زيد» ولا يجوز تقديم خبر ما على اسمها ؛ فلا يقال : «ما قائما زيد» وإذا جاز أن تخالف ليس «ما» في جواز تقديم خبرها على اسمها جاز أن تخالفه في جواز تقديم خبرها عليها ، وتلحق بأخواتها.
والصحيح عندي ما ذهب إليه الكوفيّون.
وأما الجواب عن كلمات البصريين : أما قوله تعالى : (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] فلا حجة لهم فيه ؛ لأنا لا نسلم أن (يَوْمَ) متعلق بمصروف ، ولا أنه منصوب ، وإنما هو مرفوع بالابتداء ، وإنما بني على الفتح لإضافته إلى الفعل ، كما قرأ نافع والأعرج قوله تعالى : (هذا يومَ ينفع الصادقين صدقهم) فإن يومُ في موضع رفع ، وبني على الفتح لإضافته إلى الفعل ، فكذلك ها هنا. وإن سلمنا أنه منصوب إلا أنه منصوب بفعل مقدر دل عليه قوله تعالى : (لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] وتقديره : يلازمهم يوم يأتيهم العذاب ؛ لقوله تعالى : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ) [هود : ٨].
وأما قولهم «إن الأصل في العمل للأفعال ، وهي فعل يعمل في الأسماء المعرفة والنكرة والمظهرة والمضمرة» قلنا : هذا يدل على جواز إعمالها ؛ لأنها فعل ، والأصل في الأفعال أن تعمل ، ولا يدل على جواز تقديم معمولها ؛ لأن تقديم المعمول على الفعل يقتضي تصرف الفعل في نفسه ، و «ليس» فعل غير متصرف ، فلا يجوز تقديم معموله عليه ؛ فنحن عملنا بمقتضى الدليلين : فأثبتنا لها أصل العمل لوجود أصل الفعلية ، وسلبناها وصف العمل لعدم وصف الفعلية وهو التصرف ؛ فاعتبرنا الأصل بالأصل ؛ والوصف بالوصف. والذي يشهد لصحة ذلك الأفعال المتصرفة نحو ضرب وقتل وشتم ، فإنها لما كانت أفعالا متصرفة أثبت لها أصل العمل ووصفه ؛ فجاز إعمالها ، وجاز تقديم معمولها عليها نحو «عمرا ضرب زيد» وكذلك سائرها ، والأفعال غير المتصرفة نحو عسى ونعم وبئس وفعل التعجب خصوصا على مذهب البصريين ؛ فإنها لما كانت أفعالا غير متصرفة أثبت لها أصل العمل فجاز إعمالها ، وسلبت وصف العمل ؛ فلم يجز تقديم معمولها عليها فكذلك هاهنا.