نقول : إن إن التي بمعنى ما لا يجيء معها اللام بمعنى إلا ، كما قال تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً) [مريم : ٩٣] وأما «لما» فلا يجوز أن يجعل هاهنا بمعنى إلّا ؛ لأنه لو جاز أن تجعل «لما» بمعنى إلا لجاز أن يقال : ما قام القوم لما زيدا ، وقام القوم لما زيدا ، بمعنى إلا زيدا ، وفي امتناع ذلك دليل على فساده ، وإنما جاءت لما بمعنى إلّا في الأيمان خاصة نحو قولهم : «عمرك الله لما فعلت كذا» أي إلّا ، ثم لو جعلت «لما» في قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ) [هود : ١١١] بمعنى إلا لما كان لكل ما ينصبه ؛ لأن إلا لا يعمل ما بعدها [٨٩] فيما قبلها ، فدلّ على صحة ما ذكرناه.
والذي يدل على صحة ذلك أيضا أنه قد صحّ عن العرب أنهم يقولون «إلّا أن أخاك ذاهب» بمعنى أنّ المشددة ، وقد قال الشاعر :
[١١٨] وصدر مشرق النّحر |
|
كأن ثدييه حقّان |
فنصب «ثدييه» بكأن المخففة من الثقيلة ، وأصلها أن أضيف إليها الكاف
______________________________________________________
[١١٨] أنشد سيبويه هذا البيت (١ / ٢٨١) وأنشده ابن يعيش (ص ١١٣٨) ولم يعزواه ، وأنشده رضي الدين في باب الحروف المشبهة بالفعل ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٣٥٨) وقال عنه : «هو أحد أبيات سيبويه الخمسين التي لا يعرف لها قائل» اه. وهو من شواهد الأشموني (رقم ٢٨٦) وأوضح المسالك (رقم ١٥٢) وابن عقيل (رقم ١٠٨) ويروى صدره :
* ووجه مشرق اللون*
وهي رواية سيبويه ، ويروى :
* ونحر مشرق اللون*
وعلى هاتين الروايتين يكون قوله «كأن ثدييه» على تقدير مضاف بين المضاف والمضاف إليه ، أي كأن ثدي صاحبه ، ومشرق : أي مضيء ، وحقان : مثنى حق ، بضم الحاء وتشديد القاف ـ وهو ما ينحت من خشب أو عاج أو نحوهما ، والعرب تشبه الثديين بالحق في اكتنازهما ونهودهما ، ومن ذلك قول عمرو بن كلثوم :
وثديا مثل حق العاج رخصا |
|
حصانا من أكف اللامسينا |
والاستشهاد بالبيت في قوله «كأن ثدييه» حيث خفف الشاعر كأن الدالة على التشبيه ثم أعملها في الاسم والخبر ؛ فنصب بها الاسم الذي هو قوله «ثدييه» ورفع بها الخبر الذي هو قوله «حقان» ويرويه بعض العلماء «كأن ثدياه حقان» برفع الاسمين جميعا على أن يكون اسمها ضمير شأن محذوف ، وما بعدها جملة من مبتدأ وخبر في محل رفع خبر كأن ، والرواية التي أثرها المؤلف تدل على أن تخفيف الحرف الذي يعمل لمشابهته الفعل لا يمنع إعماله في اللفظ.