للتشبيه ، والأصل في الكاف أن تكون مؤخرة ؛ كما أن الأصل في اللام أن تكون مقدمة ؛ فإذا قلت «كأنّ زيدا الأسد» كان الأصل فيه : إن زيدا كالأسد ، كما إذا قلت «إن زيدا لقائم» كان الأصل فيه : لإنّ زيدا قائم ، إلا أنه قدمت الكاف على «أن» عناية بالتشبيه ، وأخرت اللام عن «إن» لئلا يجمعوا بين حرفي تأكيد ، فلما نصب بها مع التّخفيف دل على أنها بمنزلة فعل قد حذف بعض حروفه.
وقال الآخر :
[١١٩]* كأن وريديه رشاءا خلب*
فنصب «وريديه» بكأن المخفّفة من الثّقيلة ؛ فدل على ما قلناه.
ولا يجوز أن يقال : إن الإنشاد في البيتين «كأن ثدياه ، وكأن وريداه» ـ بالرفع
______________________________________________________
[١١٩] نسب جماعة من النحاة ـ منهم الشيخ خالد الأزهري في التصريح (١ / ٢٨٢ بولاق) تبعا للعيني ـ هذا البيت إلى رؤبة بن العجاج ، وقد أنشده سيبويه (١ / ٤٨٠) وابن يعيش (ص ١١٣٨) وابن منظور (خ ل ب) ولم يعزه واحد منهم إلى قائل معين ، وأنشده رضي الدين في باب الحروف المشبهة بالفعل من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٣٥٦) وروى بيتين من الرجز المشطور أحدهما قبل البيت المستشهد به والآخر بعده على هذا الوجه :
ومعتد فظ غليظ القلب |
|
كأن وريديه رشاءا خلب |
* غادرته مجدلا كالكلب* |
والمعتدي : المتجاوز الحد في الظلم ، والفظ : الغليظ ، وغليظ القلب : قاس لا رحمة عنده ، والوريدان : مثنى وريد وهو عرق في الرقبة ، والرشاء ـ بكسر أوله بزنة الكتاب ـ الحبل ، والخلب ـ بزنة القفل والقرط ـ فسره قوم بالبئر ، وعليه تكون إضافة الرشاءين إلى الخلب على معنى لام الاستحقاق مثل قولهم : مصابيح المسجد وحصيره ، وفسر قوم الخلب بالليف ، وعليه تكون الإضافة على معنى من مثل قولهم : خاتم فضة وثوب قطن ، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «كأن وريديه» حيث خفف كأن التي تدل على التشبيه ، ثم أتى بعدها باسمها منصوبا وبخبرها مرفوعا كما كان يفعل ذلك وهي مثقلة ، فيدل ذلك على أن الحرف الذي يعمل لشبهه بالفعل إذا خفف لم يجب أن يبطل عمله ، وقد روى سيبويه البيت بنصب وريديه ورفع «رشاءا» كما رواه المؤلف هنا ، وقال قبل إنشاده «وينصبون في الشعر إذا اضطروا بكأن إذا خففوا ، يريدون معنى كأن (بالتشديد) ولم يريدوا الإضمار ، وذلك قوله :
* كأن وريديه ...*»
ثم قال بعد كلام «وإن شئت رفعت في قول الشاعر :
* كأن وريديه ...*»
وقد بيّنا وجه الروايتين في شرح الشاهد السابق.