لأنا نقول : بل الرواية المشهورة «كأن ثدييه ، وكأن وريديه» ـ بالنّصب ـ وإن صحّ ما رويتموه فيكون الرّفع على حذف الضمير مع التّخفيف كما قال الأعشى :
[١٢٠] في فتية كسيوف الهند قد علموا |
|
أن هالك كلّ من يحفى وينتعل |
كأنه قال : أنه هالك.
وقال الآخر :
[١٢١] أما والله أن لو كنت حرا |
|
وما بالحرّ أنت ولا العتيق |
______________________________________________________
[١٢٠] هذا البيت من كلام الأعشى ميمون بن قيس ، وقد أنشده سيبويه ثلاث مرات (١ / ٢٨٢ و ٤٤٠ و ٤٨٠) وأنشده ابن يعيش (ص ١١٢٨) ورضي الدين في باب نواصب المضارع وفي باب الحروف المشبهة بالفعل من شرح الكافية ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٣ / ٥٤٧) والفتية : جمع فتى ، وهو الشاب ، والسيوف : جمع سيف ، وإضافة السيوف إلى الهند لأنها كانت تصنع هناك ، وكانوا يجلبونها من الهند ، ووجه الشبه إما المضاء وقوة العزم وإما البريق واللمعان ويراد بهما صباحة أوجههم ونضارتها ، ويحفى : مضارع حفي ـ مثل رضي ـ حفاء ، وذلك إذا مشى بغير نعل ولا خف ، ويراد به هنا الفقير ، وينتعل : أي يلبس النعل ، ويراد به الغني ، يريد أن هؤلاء الفتيان قد أيقنوا أن الموت لا يفرق بين الغني والفقير فهم ينتهزون فرص اللذات ويسارعون إليها. والاستشهاد بالبيت في قوله «أن هالك كل من يحفى» حيث خففت أن المفتوحة الهمزة وأتى بعدها باسمين مرفوعين ، فيتوهم من لا معرفة له أنه أهملها ، ولكنها عند التحقيق عاملة النصب والرفع كما كانت تعمل وهي مشددة ، واسمها ضمير شأن محذوف ، وقوله «هالك» خبر مقدم ، و «كل» مبتدأ مؤخر ، وكل مضاف و «من» مضاف إليه ، و «يحفى» جملة لا محل لها من الإعراب صلة من ، وتقدير الكلام : أنه (أي الحال والشأن) كل من يحفى وينتعل هالك ، وجملة المبتدأ وخبره في محل رفع خبر أن المخففة من الثقيلة ، ويروى عجز البيت :
* أن ليس تدفع عن ذي الحيلة الحيل*
وهو صالح للاستشهاد به على هذه الرواية أيضا لهذه المسألة عينها.
[١٢١] هذا البيت من شواهد مغني اللبيب (رقم ٤١ بتحقيقنا) وقد أنشده الرضي في باب خبر الحروف المشبهة بليس ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٢ / ١٣٣) وفي شرحه لشواهد المغني ، ولم ينسبه في أحدهما إلى قائل معين ، وقد ذكر أن الفراء أنشده في تفسير سورة الجن عند تفسير قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ) ويروى صدر البيت :
* لو أنك يا حسين خلقت حرا*
بتشديد «أن» وإلقاء حركة همزتها على الواو ، والعتيق : الكريم الأصيل ، ويقال لمن كان رقيقا فخلص من الرق : عتيق ، وفي هذا البيت شاهدان للنحاة : الأول : في قوله «أن لو كنت حرا» وعبارة المؤلف تدل على أنه يعتبر «أن» في هذه العبارة مخففة من الثقيلة ، وعليه يكون اسمها ضمير شأن محذوف ، وجملة «لو» وشرطها وجوابها المحذوف لدلالة المقام عليه في محل رفع خبر أن ، وتقدير الكلام : أنه (أي الحال والشأن) لو كنت حرا