وقال الآخر :
[١٣٧] ولا تهين الفقير ؛ علّك أن |
|
تركع يوما والدّهر قد رفعه |
______________________________________________________
معناها : عا لصروف الدهر ، فأسقط اللام من لعا لصروف الدهر ، وصير نون لعا لاما لقرب مخرج النون من اللام ، هذا على قول من كسر صروف ، ومن نصبها جعل عل بمعنى لعل ، فنصب صروف الدهر ، ومعنى لعا لك أي ارتفاعا ، قال ابن رومان : وسمعت الفراء ينشد عل صروف الدهر (أي بالجر) فسألته : لم تكسر على صروف؟ فقال : إنما معناه لعا لصروف الدهر ودولاتها ، فانخفضت صروف باللام ، والدهر بإضافة الصروف إليها ، أراد : أو لعا لدولاتها ليدلننا من هذا التفرق الذي نحن فيه اجتماعا ولمة من اللمات. قال : دعا لصروف الدهر ولدولاتها ؛ لأن لعا معناه ارتفاعا وتخلصا من المكروه ، وألقى اللام وهو يريدها ، كقوله :
* لئن ذهبت إلى الحجاج يقتلني*
أراد ليقتلني» اه. وهو كما ترى.
[١٣٧] هذا البيت من كلمة للأضبط بن قريع ، وقد رواها أبو علي القالي في أماليه ، وهو من شواهد مغني اللبيب (رقم ٢٥٧) والأشموني (رقم ٩٦٨) وأوضح المسالك (رقم ٤٧٦) وشرح المفصل (ص ١٢٤٢) وشرح الكافية في باب نوني التوكيد ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٥٨٨ بولاق) والاستشهاد به ههنا في قوله «علك أن تركع» حيث أسقط اللام الأولى من لعل ، على نحو ما بيّناه في الشواهد السابقة ، والنحاة يستشهدون من هذا البيت أيضا بقوله «لا تهين الفقير» فإن أصله عندهم : لا تهينن الفقير ، بنون توكيد خفيفة ، فحذف هذه النون الخفيفة تخلصا من التقاء الساكنين اللذين هما نون التوكيد ، ولام التعريف في «الفقير» والعرب تحذف نون التوكيد الخفيفة الساكنة وهي تريدها ، فتبقى الكلمة على ما كانت عليه والنون متصلة بها ، سواء أكان بعدها ساكن أم لم يكن ، ولذلك نظائر كثيرة في كلام العرب ، منها قول الشاعر ، وأنشده أبو زيد في نوادره :
اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسيف قونس الفرس |
فإنه أراد أن يقول : اضربن عنك الهموم ، فحذف النون تخفيفا وإن لم يكن بعدها ساكن ، ومثله ما أنشده الجاحظ في البيان :
خلافا لقولي من فيالة رأيه |
|
كما قيل قبل اليوم : خالف تذكرا |
فقد أراد أن يقول : خالفن تذكر ، فحذف نون التوكيد من «خالفن» وإن كان بعدها متحرك ، وأبقى الفتحة على الفاء لتدل على النون ، ومثله ما أنشده أبو علي الفارسي :
إن ابن أحوص مغرور فبلغه |
|
في ساعديه إذا رام العلا قصر |
فقد أراد أن يقول «فبلغنه» فحذف نون التوكيد للتخفيف وهو يريدها ، بدليل أنه أبقى الفتحة ، ومثله قول الآخر :
يا راكبا بلغ إخواننا |
|
من كان من كندة أو وائل |
أراد أن يقول «بلغن إخواننا» فحذف نون التوكيد لقصد التخفيف وهو يريدها ؛ بدليل إبقائه الفتحة على الغين ، وليس سبب الحذف هو قصد التخلص من التقاء الساكنين لأن ما بعد