كأنه قال : طلبا المعقب حقّه ، ثم أضاف المصدر إلى المعقب وهو فاعل بدليل أنه قال «المظلوم» بالرفع حملا للوصف على الموضع ، وإضافة المصدر إلى الفاعل أكثر من أن تحصى ، قال الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ) [البقرة : ٢٥١] فأضاف المصدر إلى اسم الله تعالى وهو الفاعل ، ونحوه قولهم «ضربي زيدا قائما ، وأكثر شربي السويق ملتوتا» وقال الشاعر :
[١٤٧] فلا تكثرا لومي ؛ فإنّ أخاكما |
|
بذكراه ليلى العامريّة مولع |
فأضاف المصدر إلى الضمير في «ذكراه» وهو فاعل ، وقال الآخر :
[١٤٨]أفنى تلادي وما جمّعت من نشب |
|
قرع القواقيز أفواه الأباريق |
______________________________________________________
الإطنابة وفيه ما ذكر ثلاث مرات :
أبت لي عفتي ، وأبى بلائي |
|
وأخذي الحمد بالثمن الربيح |
وإقحامي على المكروه نفسي |
|
وضربي هامة البطل المشيح |
[١٤٧] الذكرى ـ بكسر الذال المعجمة وسكون الكاف ـ اسم مصدر بمعنى التذكر ، ويجوز أن يحمل عليه قوله تعالى : (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ) ومولع : هو الوصف من «أولع فلان بكذا ـ بالبناء للمجهول» إذا لج به وأغرى به ، والمصدر الإيلاع ، والاسم الولوع ـ بفتح الواو ـ والاستشهاد بهذا البيت ههنا في قوله «بذكراه ليلى العامرية» فإن الذكرى ههنا اسم مصدر يدل على معنى المصدر ويعمل عمله ، وقد أضافه الشاعر إلى فاعله وهو ضمير الغيبة المتصل العائد على الأخ ، ثم أتى بعد ذلك بمفعول المصدر ـ وهو قوله ليلى العامرية ـ ونظيره قول حسان بن ثابت الأنصاري :
لأن ثواب الله كل موحد |
|
جنان من الفردوس فيها يخلد |
فإن «ثواب» اسم مصدر بمعنى الإثابة ويعمل عمل المصدر ، وقد أضافه إلى فاعله وهو لفظ الجلالة ، وأتى بعد ذلك بمفعوله وهو قوله «كل موحد» ومن يروي «جنانا» بالنصب يجعله مفعولا ثانيا ويكون خبر «إن» محذوفا ، أي لأن ثواب الله كل موحد جنانا موصوفة بأنها من الفردوس وبأنه يخلد فيها حاصل ؛ ومن رفع «جنان» فهو خبر إن.
[١٤٨] هذا البيت من كلام الأقيشر الأسدي ، واسمه المغيرة بن عبد الله ، أحد بني عمرو بن أسد ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ٦٨٨) وقد أنشده ابن منظور (ق ق ز) أول ثلاثة أبيات. والتلاد ـ بزنة الكتاب ـ كل مال ورثته عن آبائك ، ومثله التالد ، والتليد ، ويقابله الطارف والطريف ، ويقال كل منهما على ما استحدثته من المال ، والنشب ـ بفتح النون والشين جميعا ـ العقار ، أو المال الأصيل من ناطق وصامت ، والقرع : الضرب ، والقواقيز : جمع قاقوزة ، وهي القدح الذي يشرب فيه ، ويروى «القوارير» وهو جمع قارورة ، وهي الزجاجة ، ويراد بها هنا الكأس المتخذة من الزجاج ، والأباريق : جمع إبريق ، وهو ما كان له عروة ، فإن لم يكن له عروة فهو كوز ، ومحل الاستشهاد بالبيت قوله «قرع القواقيز أفواه» وهذه العبارة تروى بنصب «أفواه» وبرفعها ؛ فمن نصب فقد جعل القرع