(صُنْعَ) على المصدر بفعل مقدّر ، وإنما قدّر هذا الفعل ولم يظهر لدلالة ما تقدم [١٠١] عليه من الكلام ، والتقدير فيه : صنع صنعا الله ، وحذف الفعل وأضيف المصدر إلى الفاعل ؛ لأنه يضاف إلى الفاعل كما يضاف إلى المفعول ، وقال الراعي :
[١٤٥] دأبت إلى أن ينبت الظّلّ بعد ما |
|
تقاصر حتّى كاد في الآل يمصح |
وجيف المطايا ، ثمّ قلت لصحبتي |
|
ولم ينزلوا : أبردتم فتروّحوا |
فنصب «وجيف» على المصدر بفعل مقدّر على ما تقدم ، وأضاف المصدر إلى الفاعل ، وقال لبيد :
[١٤٦] حتّى تهجّر في الرّواح وهاجها |
|
طلب المعقب حقّه المظلوم |
______________________________________________________
[١٤٥] هذان البيتان من شواهد سيبويه (١ / ١٩١ و ١٩٢) وقد نسبهما في صدر الكتاب إلى الراعي ، وكذلك نسبهما الأعلم إليه ، ودأبت : أراد لزمت السير وجددت فيه ، ومصح الظل : أي ذهب ، والوجيف : سرعة السير ، قال الأعلم : «الشاهد فيه نصب وجيف المطايا على المصدر المؤكد لمعنى قوله دأبت ؛ لأنه بمعنى واصلت السير وأوجفت المطي ، أي سمتها الوجيف وهو سير سريع ، وصف أنه واصل السير إلى الهاجرة ثم نزل مبردا بأصحابه ثم راح سائرا ، ومعنى قوله إلى أن ينبت الظل إلى أن يأخذ في الزيادة بعد زوال الشمس وينمو ، يقال : نبت لفلان مال ، إذا نما وزاد ، والآل : الشخص ، ومعنى يمصح يذهب ، يريد عند قائم الظهيرة ، والمطايا : الرواحل ؛ لأنها تمطى أي تستعمل ظهورها ، والمطا : الظهر ، ومعنى أبردتم : دخلتم في برد العشي ، وتروحوا : سيروا رواحا» اه كلامه.
[١٤٦] هذا البيت من كلام لبيد بن ربيعة العامري ـ كما قال المؤلف ـ وهو في وصف حمار وحش وأتنه شبه به ناقته ، وقد أنشده الجوهري في الصحاح وابن منظور في اللسان (ع ق ب) وهو من شواهد الأشموني (رقم ٦٩٠) وأوضح المسالك (رقم ٣٦٩) وابن عقيل (رقم ٢٥٤) ورضي الدين في باب المصدر ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٣ / ٤٤١) وتهجر : سار في وقت الهاجرة وهي نصف النهار عند اشتداد الحر ، والرواح : الوقت من زوال الشمس إلى الليل ، وهاجها : أزعجها ، والضمير المستتر يعود إلى حمار الوحش ، والضمير البارز المتصل يعود إلى الأتن ، والمعقب : الذي يطلب حقه مرة عقب مرة ولا يتركه ، والاستشهاد بالبيت في قوله «طلب المعقب» فإن هذا مصدر تشبيهي منصوب على أنه مفعول مطلق مضاف إلى فاعله ، وأصل الكلام : وهاجها طالبا إياها طلبا غير منقطع مثل طلب المعقب حقه ، فأضاف المصدر إلى فاعله ثم جاء بمفعوله بعد ذلك ، بدليل أنه رفع «المظلوم» لكونه نعتا للمعقب ، وقد ورد نظير ذلك في أفصح الكلام ، في قول الله تعالى : (وَلَوْ لا دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) فدفع مصدر ، وقد أضيف إلى فاعله وهو لفظ الجلالة ، ثم أتى بعد ذلك بمفعوله ، وهو الناس.
ونظير هذا البيت ـ في إضافة المصدر إلى فاعله والإتيان بعد ذلك بمفعوله ـ قول ابن