وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقوله تعالى : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٤] فليس لهم فيه حجة ؛ لأن (كِتابَ اللهِ) ليس منصوبا بعليكم ، وإنما هو منصوب لأنه مصدر ، والعامل فيه فعل مقدر ، والتقدير فيه : كتب كتابا الله عليكم ، وإنما قدّر هذا الفعل ولم يظهر لدلالة ما تقدم عليه ، كما قال الشاعر :
[١٤٤] ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب |
|
منه ، وحرف السّاق ، طيّ المحمل |
فقوله «طيّ المحمل» منصوب لأنه مصدر ، والعامل فيه فعل مقدّر ، والتقدير فيه : طوي طيّ المحمل ، وإنما قدر ولم يظهر لدليل ما تقدم عليه من قوله : «ما إن يمسّ الأرض إلّا منكب منه» ، فكذلك هاهنا : قدّر هذا الفعل ولم يظهر لدلالة ما تقدم عليه من قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخالاتُكُمْ) [النساء : ٢٣] فإن فيه دلالة على أن ذلك مكتوب عليهم ؛ فلما قدر هذا الفعل ولم يظهر بقي التقدير فيه : كتابا الله عليكم ، ثم أضيف المصدر إلى الفاعل كقوله : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ) [النمل : ٨٨] فنصب
______________________________________________________
[١٤٤] هذا البيت لأبي كبير الهذلي ، يقوله في تأبط شرا وكان أبو كبير زوج أمه يصفه بالضمور ، والبيت من شواهد سيبويه (١ / ١٨٠) والأشموني (رقم ٣٢٥) وأوضح المسالك (رقم ٢٥١) والبيت من قصيدة لأبي كبير ثابتة في شعر الهذليين (٢ / ٨٨) وقد اختار أبو تمام في أوائل ديوان الحماسة أبياتا من هذه القصيدة يقع بيت الشاهد ثامنها ، وانظر بعد ذلك خزانة الأدب للبغدادي (٣ / ٤٦٦ و ٤ / ١٦٥) و «إن» في قوله «ما إن يمس» زائدة ، ومعنى البيت : ما يمس الأرض منه ـ إذا نام ـ إلا جانبه وحرف ساقه ، وذلك لأنه مطوي ضامر غير سمين وهضيم الكشح غير ثقيل ؛ فهو لا ينبسط على الأرض ولا يضع أعضاءه كلها عليها ، والاستشهاد بالبيت في قوله «طي المحمل» حيث نصبه بعامل محذوف يدل عليه سابق الكلام ، والمؤلف رحمهالله يقدر هذا العامل فعلا ، وكأن الشاعر على هذا قد قال : قد طوي هذا الفتى طي المحمل ، وهو تابع في هذا لشيخ النحاة سيبويه وشراح كلامه ، قال سيبويه : «وقد يجوز أن تضمر فعلا آخر كما أضمرت بعد قولك له صوت ، يدلك عليه أنك لو أظهرت فعلا لا يجوز أن يكون المصدر مفعولا عليه صار بمنزلة له صوت ، وذلك قوله :
* ما إن يمس الأرض ... البيت*
صار ما إن يمس الأرض بمنزلة له طي ؛ لأنه إذا ذكر ذا عرف أنه طيان» اه. وقال الأعلم : «الشاهد فيه نصب طي المحمل بإضمار فعل دل عليه ما إن يمس الأرض إلا منكب منه وحرف الساق ؛ لأن ذلك لانطواء كشحه وضمر بطنه ، فكأنه قال : طوي طيا مثل طي المحمل ؛ فشبهه في طي كشحه وإرهاف خلقه بحمالة السيف ، وهي المحمل ، وزعم أنه إذا اضطجع نائما نبا بطنه عن الأرض ، ولم ينلها منه إلا منكبه وحرف ساقه» اه بحروفه.