بغلامك ؛ فتكون الضمة والفتحة والكسرة التي كانت إعرابا له في حال الإفراد هي بعينها إعرابا له في حال الإضافة ، فكذلك هاهنا ، والذي يدلّ على صحة هذا تغيّر الحركات على الباء في حال الرفع والنصب والجر ، وكذلك الواو والألف والياء بعد هذه الحركات تجري مجرى الحركات في كونها إعرابا ؛ بدليل أنها تتغير في حال الرفع والنصب والجر ؛ فدل على أن الضمة والواو علامة للرفع ، والفتحة والألف علامة للنصب ، والكسرة [٨] والياء علامة للجر ، فدل على أنه معرب من مكانين (١).
ومنهم من تمسك بأن قال : إنما أعربت هذه الأسماء الستة من مكانين لقلة حروفها ، تكثيرا لها ، وليزيدوا بالإعراب في الإيضاح والبيان ؛ فوجب أن تكون معربة من مكانين على ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا «إنه معرب من مكان واحد» لأن الاعراب إنما دخل الكلام في الأصل لمعنى ـ وهو الفصل ، وإزالة اللّبس ، والفرق بين المعاني المختلفة بعضها من بعض ، من الفاعلية والمفعولية إلى غير ذلك ـ وهذا المعنى يحصل بإعراب واحد ؛ فلا حاجة إلى أن يجمعوا بين إعرابين ؛ لأن أحد الإعرابين يقوم مقام الآخر ، فلا حاجة إلى أن يجمع بينهما في كلمة واحدة.
ألا ترى أنهم لا يجمعون بين علامتي تأنيث في كلمة واحدة نحو مسلمات وصالحات ، وإن كان الأصل فيه مسلمتات وصالحتات ؛ لأن كل واحدة من التاءين تدلّ على ما تدل عليه الأخرى من التأنيث ، وتقوم مقامها ، فلم يجمعوا بينهما ؛ فكذلك هاهنا.
والذي يدلّ على صحة ما ذهبنا إليه وفساد ما ذهبوا إليه أن ما ذهبنا إليه له نظير في كلام العرب ؛ فإن كل معرب في كلامهم ليس له إلا إعراب واحد ، وما ذهبوا إليه لا نظير له في كلامهم ؛ فإنه ليس في كلامهم معرب له إعرابان (٢) ، فبان
__________________
(١) ونظير هذا ما قالوه في امرىء وابنم ؛ فإنه يقال «جاء امرؤ» بضم كل من الراء والهمزة ، ومنه قوله تعالى : (إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ) ويقال «رأيت امرأ» بفتح كل من الراء والهمزة ، ومنه قول الله تعالى : (ما كانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ) وقول الشاعر :
إن امرأ غره منكن واحدة |
|
بعدي وبعدك في الدنيا لمغرور |
ويقال «مررت بامرىء» بكسر كل من الراء والهمزة ، ومنه قول الله جل ذكره : (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) وكذلك يصنعون مع «ابنم».
(٢) قد حدثناك حديث صنيع العرب في «امرىء» و «ابنم» وأنهم ـ في ظاهر الأمر ـ يعربونهما من مكانين : الحرف الآخر ، والحرف الذي قبل الآخر ، فللكوفيين أن يقولوا : لا نسلم أن هذا لا نظير له في كلام العرب ، بل له نظير من الصحيح الآخر وهو امرؤ وابنم ، فإنا رأينا العرب تعربهما من مكانين.