أن ما ذهبنا إليه له نظير في كلامهم ، وما ذهبوا إليه لا نظير له في كلامهم ، والمصير إلى ما له نظير أولى من المصير إلى ما ليس له نظير.
ومنهم من تمسّك بأن قال : لو جاز أن يجتمع في اسم واحد إعرابان متفقان لجاز أن يجتمع فيه إعرابان مختلفان ؛ فكما يمتنع أن يجتمع فيه إعرابان مختلفان فكذلك يمتنع أن يجتمع فيه إعرابان متفقان ؛ لامتناع اجتماع إعرابين في كلمة واحدة.
والاعتماد على الاستدلال الأول ، وهذا الاستدلال عندي فاسد ؛ لأن الإعراب في الأصل إنما دخل للفصل بين المعاني بعضها من بعض من الفاعلية والمفعولية على ما بيّنّا ؛ فلو جوزنا أن يجمع في اسم واحد إعرابان مختلفان لأدّى ذلك إلى التناقض ؛ لأن كل واحد من الإعرابين يدل على نقيض ما يدل عليه الآخر ؛ ألا ترى أنا لو قدرنا الرفع والنصب في اسم واحد لدل الرفع على الفاعلية [٩] والنصب على المفعولية ، وكل واحد منهما نقيض الآخر ، بخلاف ما لو قدرنا إعرابين متفقين فإنه لا يدل أحد الإعرابين على نقيض ما يدل عليه الآخر ؛ فبان الفرق بينهما ، وأن الاعتماد على الاستدلال الأول.
وأما من ذهب إلى أنها ليست بحروف إعراب (١) ، ولكنها دلائل الإعراب ، فقال : لأنها لو كانت حروف إعراب كالدال من «زيد» والراء من «عمرو» لما كان فيها دلالة على الإعراب ، ألا ترى أنك إذا قلت : «ذهب زيد ، وانطلق عمرو» لم يكن في نفس الدال والراء دلالة على الإعراب ، فلما كان هاهنا هذه الأحرف تدلّ على الإعراب دل على أنها دلائل الإعراب ، وليست بحروف إعراب.
وهذا القول فاسد ؛ لأنّا نقول : لا يخلو أن تكون هذه الأحرف دلائل الإعراب في الكلمة أو في غيرها ؛ فإن كانت تدل على الإعراب في الكلمة فوجب أن يكون الإعراب فيها ؛ لأنها آخر الكلمة ، فيؤول هذا القول إلى قول الأكثرين ، وإن كانت تدل على إعراب في غير الكلمة فيؤدي إلى أن تكون الكلمة مبنية ، وليس من مذهب هذا القائل أنها مبنية ، فسنبين فساد مذهبه أن الواو والألف والياء في التثنية والجمع ليست بحروف إعراب ، ولكنها دلائل الإعراب ، مستقصّى في موضعه ، إن شاء الله تعالى.
__________________
(١) قد حكى المؤلف هذا القول أحد قولين لأبي الحسن الأخفش ، والعلامة أبو الحسن الأشموني يحكي القولين وينسبهما إلى هشام ، وهو هشام بن معاوية أحد أصحاب الكسائي كما سماه المؤلف ابن الأنباري في المسألة الحادية عشرة من هذا الكتاب.