الوجه الأول : أن تكون صفة لقوم المجرور في أول الآية ، وهو قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ) [النساء : ٩٠]. والوجه الثاني : أن تكون صفة لقوم مقدر ويكون التقدير فيه : أو جاؤوكم قوما حصرت صدورهم ، والماضي إذا وقع صفة لموصوف محذوف جاز أن يقع حالا بالإجماع. والوجه الثالث : أن يكون خبرا بعد خبر ، كأنه قال : أو جاؤوكم ، ثم أخبر فقال : حصرت صدورهم. والوجه الرابع : أن يكون محمولا على الدعاء ، لا على الحال ، كأنه قال : ضيّق الله صدورهم ، كما يقال : جاءني فلان وسّع الله رزقه ، وأحسن إليّ غفر الله له ، وسرق قطع الله يده ، وما أشبه ذلك ؛ فاللفظ في ذلك كله لفظ الماضي ومعناه الدعاء ، وهذا كثير في كلامهم قال الشاعر :
[١٥٣] ألا يا سيالات الدّحائل بالضّحى |
|
عليكنّ من بين السّيال سلام |
ولا زال منهلّ الرّبيع إذا جرى |
|
عليكنّ منه وابل ورهام |
فأتى بالفعل الماضي ومعناه الدعاء ؛ وقال قيس بن ذريح :
[١٥٤] ألا يا غراب البين قد هجت لوعة |
|
فويحك خبّرني بما أنت تصرخ |
______________________________________________________
[١٥٣] السيالات : جمع سيالة ـ بفتح السين المهملة فيهما ـ والسيالة أيضا واحدة السيال ، والسيال : شجر سبط الأغصان عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا العذارى ، وقال أبو زياد : السيال ما طال من السمر ، والدحائل : جمع دحول ، والدحول : جمع دحل ـ بفتح الدال وسكون الحاء المهملة ، بزنة كنز وكنوز ـ والدحل : نقب فمه ضيق ثم يتسع أسفله حتى يمشي فيه ، وربما أنبت السدر ، وفي نظيره يقول ذو الرمة :
إذا شئت أبكاني لجرعاء مالك |
|
إلى الدحل مستبدي لميّ ومحضر |
ومنهل الربيع : أراد به منسكب المطر ، والوابل : المطر الكثير ، والرهام : جمع رهمة ـ بكسر الراء وسكون الهاء ـ وهو المطر الضعيف الدائم الصغير القطر. والاستشهاد بالبيتين في قوله «عليكن سلام» وقوله «ولا زال منهل الربيع ـ الخ» فإن هاتين الجملتين خبريتان لفظا ، والمقصود من كل واحدة منهما إنشاء الدعاء ، وذلك ظاهر بأدنى تأمل.
[١٥٤] البين : الفراق ، وغراب البين : هذا من بعض قولهم في زجر الطير ، كانوا يزعمون أن نعيب الغراب مؤذن بتفرق شملهم ، وفي هذا يقول النابغة الذبياني :
زعم البوارح أن رحلتنا غدا |
|
وبذاك تنعاب الغراب الأسود |
لا مرحبا بغد ، ولا أهلا به |
|
إن كان تفريق الأحبة في غد |
وهجت : أثرت وحركت ، واللوعة : حرقة الباطن من عشق أو نحوه ، ويفضخ ـ بالبناء للمجهول ـ يكسر ، ومشدخ ـ بزنة مكرم ـ مكسور ، وكان من حق العربية عليه أن يقول «مشدوخ» بزنة اسم المفعول من الثلاثي ، فإنه يقال «شدخه يشدخه شدخا ـ مثل قطعه يقطعه قطعا» والشدخ : الكسر والتهشيم ، وقوله «وأبصرت قبل الموت ـ الخ البيت» دعا