أبالبين من لبنى؟ فإن كنت صادقا |
|
فلا زال عظم من جناحك يفضخ |
ولا زلت من عذب المياه منفّرا |
|
ووكرك مهدوم وبيضك مشدخ |
ولا زال رام قد أصابك سهمه |
|
فلا أنت في أمن ولا أنت تفرخ |
وأبصرت قبل الموت لحمك منضجا |
|
على حرّ جمر النّار يشوى ويطبخ |
وقال معدان بن جوّاس الكندي :
[١٥٥] إن كان ما بلّغت عنّي فلامني |
|
صديقي ، وشلّت من يديّ الأنامل |
وكفّنت وحدي منذرا في ردائه |
|
وصادف حوطا من أعاديّ قاتل |
فأتى بالفعل الماضي في هذه المواضع ومعناه الدعاء. فكذلك قوله تعالى : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) [النساء : ٩٠] لفظه لفظ الماضي ومعناه الدعاء ، ومعناه من الله تعالى إيجاب ذلك عليهم.
وأما قول الشاعر :
[١١٦] * كما انتفض العصفور بلّله القطر* [١٥٢]
فإنما جاز ذلك لأن التقدير فيه : قد بلّله القطر ، إلا أنه حذف لضرورة الشعر ، فلما كانت «قد» مقدرة تنزّلت منزلة الملفوظ بها ، ولا خلاف أنه إذا كان مع الفعل الماضي «قد» فإنه يجوز أن يقع حالا.
وأما قولهم «إنه يصلح أن يكون صفة للنكرة ، فصلح أن يقع حالا ، نحو «قاعد ، وقائم» قلنا : هذا فاسد ؛ لأنه إنما جاز أن يقع نحو قاعد وقائم حالا لأنه
______________________________________________________
على الغراب بأن يحترق بالنار ولنفسه بأن يتمتع برؤية ذلك قبل أن يموت؟ والاستشهاد بهذه الأبيات في أغلب جملها ، فإنها خبرية لفظا إنشائية معنى ؛ لأن المقصود بها الدعاء ، وهذا في غاية الظهور.
[١٥٥] شلت أنامله : يبست أو فسدت ، ومثل هذا البيت قول الآخر :
فشلت يميني يوم أعلو ابن جعفر |
|
وشل بناناها ، وشل الخناصر |
و «كفنت وحدي منذرا ـ الخ» يقول : أصبحت فريدا لا معين لي على القيام بواجب تجهيزه وأصبحت فقيرا لا أملك ما أكفنه فيه غير ردائه ، أو يكون المعنى : قتله أعداؤه وليس معه غيري وأعجلت عن تكفينه حسب العادة. والاستشهاد بالبيتين في أربع جمل : أولاها : قوله «فلامني صديقي» والثانية : قوله «وشلت ـ الخ» والثالثة : قوله «وكفنت ـ الخ» والرابعة :
قوله «وصادف حوطا ـ الخ» فإن كل واحدة من هذه الجمل خبرية لفظا إنشائية معنى ؛ لأن المقصود بها الدعاء ، ونظير ذلك قول النابغة :
لئن كان ما بلغت عني صادقا |
|
فلا رفعت سوطي إلى إذن يدي |