أي والفرقدان ، والشواهد على هذا في أشعارهم كثيرة جدا.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إن «إلّا» لا تكون بمعنى الواو لأنّ إلا للاستثناء ، والاستثناء يقتضي إخراج الثاني من حكم الأول ، والواو للجمع ، والجمع يقتضي إدخال الثاني في حكم الأول ؛ فلا يكون أحدهما بمعنى الآخر.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) [البقرة : ١٥٠] فلا حجّة لهم فيه ؛ لأن «إلا» هاهنا استثناء منقطع ، والمعنى : لكن الذين ظلموا يحتجّون عليكم بغير حجّة ، والاستثناء المنقطع كثير في كتاب الله تعالى وكلام العرب ، قال الله تعالى : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧] معناه لكن يتبعون الظن ، وقال تعالى : (وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى ، إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى) [الليل : ٢٠] معناه لكن يبتغي وجه ربّه الأعلى ، وقال تعالى : (ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [التين : ٥ ، ٦] معناه لكن الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر ، ثم قال النابغة :
[١٥٩] [١٢٤] وقفت فيها أصيلا لا أسائلها |
|
أعيت جوابا ، وما بالرّبع من أحد |
______________________________________________________
المفصل (ص ٢٨٤) والاستشهاد بالبيت ههنا في قوله «إلا الفرقدان» فإن الكوفيين زعموا أن «إلا» في هذا البيت حرف عطف بمنزلة الواو ، وكأنه قال : كل أخ مفارقه أخوه والفرقدان أيضا ، وقد حمل الشريف المرتضى في أماليه (٢ / ٨٨) على هذا المعنى قوله تعالى : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) قال : إلا بمعنى الواو ، والتأويل : خالدين فيها ما دامت السموات والأرض وما شاء ربك من الزيادة ، واستشهد على ذلك ببيت الشاهد ، وبقول الآخر : (وهو المخبل السعدي) :
وأرى لها دارا بأغدرة ال |
|
سيدان لم يدرس لها رسم |
إلا رمادا هامدا دفعت |
|
عنه الرياح خوالد سحم |
والمراد بإلا ههنا الواو ، وإلا كان الكلام متناقضا ، اه. والذي رآه سيبويه في بيت الشاهد ـ وسيذكره المؤلف في الرد على كلمات الكوفيين ـ أن «إلا» ههنا اسم بمعنى غير ، وهي صفة لكل ، ولهذا ارتفع ما بعدها ؛ لأن إلا التي بمعنى غير يظهر إعرابها على ما بعدها بطريق العارية ، ومن هنا تدرك أنه لا يجوز جعل إلا صفة لأخ المضاف إليه ؛ إذ لو كانت صفة لأخ لكان ما بعدها مجرورا فكان يقول «إلا الفرقدين» كما قال الآخر :
وكل أخ مفارقه أخوه |
|
لشحط الدار إلا ابني شمام |
كما أنه لا يجوز لك أن تجعل «إلا» في بيت الشاهد استثنائية ؛ لأنها لو كانت هي الاستثنائية لكان ما بعدها منصوبا ، لأن الكلام قبلها تام موجب ، ونصب المستثنى بعد الكلام التام الموجب واجب كما تعلم.
[١٥٩] هذان البيتان من قصيدة النابغة الذبياني التي يعدونها من المعلّقات والتي مطلعها :