وقال الآخر :
[١٦٢] وبلدة ليس بها طوريّ |
|
ولا خلا الجنّ بها إنسيّ |
قالوا : ولا يجوز أن يقال «إن الاستثناء يضارع البدل بدليل قولهم : ما قام أحد إلا زيدا ؛ وإلا زيد ، والمعنى واحد ، فلما جاز البدل لم يجز تقديمه كما لا يجوز تقديم البدل على المبدل منه» لأنا نقول : لو كان الأمر كما زعمتم لكان ينبغي أن لا يجوز تقديمه على المستثنى منه كما لا يجوز تقديم البدل على المبدل منه ، وقد جاء ذلك كثيرا في كلامهم ، قال الكميت :
[١٦٣] فما لي إلّا آل أحمد شيعة |
|
وما لي إلّا مشعب الحقّ مشعب |
______________________________________________________
وأحسيت الخبر مثله ، قال أبو نخيلة :
لما احتسى منحدر من مصعد |
|
أن الحيا مغلولب لم يجمد |
احتسى : أي استخبر فأخبر أن الخصب فاش. والمنحدر : الذي يأتي القرى ، والمصعد : الذي يأتي إلى مكة» اه. وقول أبي زبيد «فهن إلي شوس» الشوس : جمع أشوس ، وهو الوصف من الشوس ـ بفتح الشين والواو جميعا ـ وهو النظر بمؤخر العين. والاستشهاد بالبيت في قوله «خلا أن العتاق من المطايا» حيث قدم المستثنى في أول الكلام ، وقد أنشده الكوفيون ذاهبين إلى أن فيه دليلا على جواز تقديم المستثنى قبل جملة الكلام ، ونظيره قول الأعشى ، وهو من شواهد الأشموني وابن عقيل :
خلا الله لا أرجو سواك ، وإنما |
|
أعد عيالي شعبة من عيالكا |
[١٦٢] هذان بيتان من مشطور الرجز ، وهما من كلام العجاج ، وقد أنشدهما الرضي في شرح الكافية أول باب الاستثناء ، وشرحهما البغدادي في الخزانة (٢ / ٢) وأنشد أولهما ابن منظور (ط ور) ونسبه إلى العجاج. والعرب تقول : ما بالدار طوري ، وما بالدار طوراني ، وما بالدار دوري ، وما بالدار ديار ، تريد ما بالدار أحد ، وقالوا أيضا : رجل طوري ، يريدون رجلا غريبا ، ومحل الاستشهاد قوله «ولا خلا الجن بها إنسي» حيث قدم الاستثناء على جملة الكلام ، وأصل العبارة : ولا بها إنسي خلا الجن ، فالجار والمجرور خبر مقدم ، وإنسي : مبتدأ مؤخر ، وخلا الجن : استثناء ، وبهذا ونحوه استدل الكوفيون على جواز تقديم الاستثناء على جملة الكلام ، وقد بيّنا لك ذلك في شرح الشاهد السابق.
[١٦٣] هذا البيت من قصيدة هاشمية للكميت بن زيد الأسدي ، وهو من شواهد ابن يعيش (ص ٢٦٣) والأشموني (رقم ٤٤٨) وابن عقيل (رقم ١٦٧) وأوضح المسالك (٢٦٢) وشذور الذهب (رقم ١٢٤) وشرح قطر الندى (رقم ١٠٩) والشيعة : هم الأنصار والأشياع والأعوان ، ومشعب الحق : يروى في مكانه «مذهب الحق» والمراد الطريق الذي يعتقد أنه الطريق الثابت الذي لا يجوز الانحراف عنه. والاستشهاد بالبيت في موضعين منه ؛ الأول قوله «إلا آل أحمد» والثاني قوله «إلا مشعب الحق» حيث قدم المستثنى في كل موضع منهما على المستثنى منه ، وأصل نظم الكلام وما لي شيعة إلا آل أحمد ، وما لي مشعب إلا