فقدّم المستثنى على المستثنى منه ، وقال الآخر :
[١٦٤] النّاس ألب علينا فيك ليس لنا |
|
إلّا السّيوف وأطراف القناوزر |
فقدّم المستثنى على المستثنى منه ، وهذا كثير في كلامهم.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا ذلك لأنه يؤدي إلى أن يعمل ما بعدها فيما قبلها ، وذلك لا يجوز ؛ لأنها حرف نفي يليها الاسم والفعل كحرف الاستفهام ، وكما [١٢٦] أنه لا يجوز أن يعمل ما بعد حرف الاستفهام فيما قبله ؛ فكذلك لا يجوز أن يعمل ما بعدها فيما قبلها.
ومنهم من تمسك بأن قال : إنما قلنا ذلك لأن الاستثناء يضارع البدل ، ألا ترى أنك تقول «ما جاءني أحد إلا زيد ، وإلا زيدا» والمعنى واحد ، فلما جارى الاستثناء البدل امتنع تقديمه كما يمتنع تقديم البدل على المبدل منه ، وما ذكروه
______________________________________________________
مشعب الحق ، وقد كان المستثنى ـ لو أنه جاء به على أصل الكلام ـ يجوز فيه وجهان : الأول : النصب على الاستثناء ، والثاني : الإتباع على البدلية ، فلما قدمه على المستثنى لزمه ـ في لغة عامة العرب ـ النصب على الاستثناء ، ولم يجز فيه الإتباع على البدلية ؛ لأن البدل لا يتقدم على المبدل منه لأنه تابع ورتبة التابع تكون بعد رتبة المتبوع ألا ترى أنهم إذا قدموا صفة النكرة عليها نحو قولك : فيها قائما رجل ، وقول كثير :
لعزة موحشا طلل |
|
يلوح كأنه خلل |
وجب نصب الصفة على الحال ، ولم يجز إتباعها للموصوف على أن تكون نعتا كما كانت وهي متأخرة؟ وقد جاء على الإتباع قول حسان بن ثابت :
لأنهم يرجون منه شفاعة |
|
إذا لم يكن إلا النبيون شافع |
فقد قدم المستثنى ـ وهو قوله النبيون ـ على المستثنى منه ـ وهو قوله شافع ـ ومع ذلك لم ينصبه على الاستثناء كما ينصبه عامة العرب ، ويمكن أن يكون هذا البيت ردا على قول الكوفيين «إن المستثنى يضارع البدل ، والبدل لا يتقدم» فيقال لهم : لا نسلم أنه يضارع البدل وأن البدل لا يتقدم ؛ فإن من العرب من يقدمه ويبقيه على الإتباع ، فتفطن لذلك.
[١٦٤] هذا البيت من كلام كعب بن مالك ، الأنصاري ، وهو من شواهد سيبويه (١ / ٣٨١) وابن يعيش (ص ٢٦٣) وألب : أي مجتمعون متألبون قد تضافروا على خصومتنا وإرادة النيل منا ، والوزر ـ بفتح الواو والزاي جميعا ـ الحصن والملجأ ، وأصل معناه الجبل. يقول هذا البيت للنبي صلوات الله وأزكى تسليماته عليه. والاستشهاد به في قوله «إلا السيوف» حيث قدم هذا المستثنى على المستثنى منه وهو قوله «وزر» وأصل الكلام : ليس لنا وزر وملجأ نلجأ إليه إلا السيوف وأطراف القنا ، ولو أنه جاء بالكلام على أصله لكان له أن ينصب المستثنى على الاستثناء وأن يتبعه بالرفع على البدلية ، لكنه لما قدم المستثنى وجب فيه ـ عند عامة العرب ـ أن ينصبه ؛ لما ذكرنا من العلة في شرح الشاهد السابق ، وهذا واضح إن شاء الله تعالى.