وإذا كان متصرفا فيجب أن يكون فعلا ؛ لأن التصرف من خصائص الأفعال.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنه فعل أن لام الخفض تتعلق به ، قال الله تعالى : (حاشَ لِلَّهِ ما هذا بَشَراً) [يوسف : ٣١] وحرف الجرّ إنما يتعلق بالفعل ، لا بالحرف ؛ لأن الحرف لا يتعلق بالحرف ، وإنما حذفت اللام لكثرة استعماله في الكلام.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنه فعل أنه يدخله الحذف ، والحذف إنما يكون في الفعل ، لا الحرف ، ألا ترى أنهم قالوا في حاشى لله : حاش لله ، ولهذا قرأ أكثر القراء (حاشَ لِلَّهِ) بإسقاط الألف ، وكذلك هو مكتوب في المصاحف ؛ فدل على أنه فعل.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أنه ليس بفعل وأنه حرف أنه لا يجوز دخول «ما» عليه ؛ فلا يقال «ما حاشى زيدا» كما يقال «ما خلا زيدا ، وما عدا عمرا» ولو كان فعلا كما زعموا لجاز أن يقال «ما حاشى زيدا» فلما لم يقولوا ذلك دلّ
______________________________________________________
بها ، كما لم يحفظ دخول «ما» عليها ، فقرر أنها لا تكون إلا حرف جر ، لكن العلماء الثقات حفظوا الأمرين جميعا : حفظوا دخول «ما» على حاشا في قول الأخطل :
رأيت الناس ما حاشا قريشا |
|
فإنا نحن أكثرهم فعالا |
وحفظوا النصب بها دون أن تلحقها «ما» نحو ما رواه أبو زيد قال : «سمعت أعرابيا يقول : اللهم اغفر لي ولمن سمع حاشا الشيطان وابن الأصبغ» بنصب ما بعد حاشا والمعطوف عليه ، كما حفظوا الذي حفظه سيبويه من الجر بها ، وإذن يكون حال «حاشا» مثل حال «عدا ، وخلا» كل واحد من هذه الثلاثة يكون حرفا تارة ، ويكون فعلا تارة أخرى ، وهذا مذهب أبي العباس المبرد ، وهو الذي تؤيده جملة الشواهد الواردة في هذه المسألة ، وقد تفطن لذلك موفق الدين ابن يعيش ، فقال : «أما حاشا فهو حرف جر عند سيبويه ، يجر ما بعده ، وهو مع ما بعده في موضع نصب بما قبله ، وفيه معنى الاستثناء ، وزعم الفراء أن حاشى فعل ولا فاعل له ، وأن الأصل في قولك «حاشى زيد» حاشا لزيد ، فحذفت اللام لكثرة الاستعمال وخفضوا بها ، وهذا فاسد ؛ لأن الفعل لا يخلو من فاعل ، وذهب أبو العباس المبرد إلى أنها تكون حرف جر كما ذكر سيبويه ، وتكون فعلا ينصب ما بعده ، واحتج لذلك بأشياء ، منها أنه يتصرف فتقول : حاشيت أحاشي ، والتصرف من خصائص الأفعال ، ومنها أنه يدخل على لام الجر ، فتقول : حاشى لزيد ، قال الله تعالى : حاشى لله ولو كان حرف جر لم يدخل على مثله ، ومنها أنه يدخله الحذف ، نحو حاش لزيد ، وقد قرأت القراء إلا أبا عمرو (حاشَ لِلَّهِ) وليس القياس في الحروف الحذف ، إنما ذلك في الأسماء نحو أخ ويد ، وفي الأفعال نحو لم يك ولا أدر ، وهو قول متين يؤيده أيضا ما حكاه أبو عمرو الشيباني وغيره أن العرب تخفض بها وتنصب» اه باختصار يسير ، ومثله قول الراعي :
إن على أهوى لألأم حاضر |
|
حسبا ، وأقبح مجلس ألوانا |
قبح الإله ـ ولا أحاشي غيرهم ـ |
|
أهل السبيلة من بني حمانا |