على فساد ما ذهبوا إليه ، يدل عليه أن الاسم يأتي بعد حاشى مجرورا ، قال الشاعر :
[١٦٦] حاشى أبي ثوبان ؛ إنّ به |
|
ضنّا على الملحاة والشّتم |
فلا يخلو : إما أن يكون هو العامل للجرّ ، أو عامل مقدّر ، بطل أن يقال عامل مقدّر ؛ لأن عامل الجرّ لا يعمل مع الحذف (١) فوجب أن يكون هو العامل على ما بيّنا.
______________________________________________________
[١٦٦] أنشد ابن منظور هذا البيت نقلا عن الجوهري ، ونسبه إلى سبرة بن عمرو الأسدي ، ثم قال : وهو منسوب في المفضليات للجميع الأسدي ، واسمه منقذ بن الطماح ، والصواب أن الشاهد من كلام الجميع ، وقد لفق النحاة هذا البيت من بيتين ، وصواب الإنشاد هكذا :
حاشى أبا ثوبان ؛ إن أبا |
|
ثوبان ليس ببكمة فدم |
عمرو بن عبد الله ؛ إن به |
|
ضنا عن الملحاة والشتم |
والبيت من شواهد مغني اللبيب (رقم ١٨٧) والأشموني (رقم ٤٦٥) وقوله «ليس ببكمة» يريد ليس بأبكم والفدم ـ بفتح الفاء وسكون الدال ـ العيي عن الكلام في ثقل وقلة فهم ، والملحاة : مفعلة من قولك «لحوت الرجل ولحيته» إذا لمته وألححت في لومك. والاستشهاد بالبيت في قوله «حاشا أبي ثوبان» فقد أتى المؤلف بهذا البيت ليستدل به على أن «حاشا» تجر ما بعدها ، وروي «حاشا أبي ثوبان» وكذلك وقعت الرواية في الصحاح واللسان بجر ما بعد حاشا ، لكن الثابت في المفضليات ـ وهو الذي حكاه ابن هشام في المغني وتبعه عليه الأشموني ـ نصب ما بعد حاشا في هذا البيت ، ونحن لا ننكر أن حاشا يجر ما بعدها ؛ فقد ورد ذلك في عدة أبيات ، منها قول عمر بن أبي ربيعة وأنشده في اللسان :
من رامها حاشى النبي وأهله |
|
في الفخر غطغطه هناك المزيد |
ومنها ما أنشده في اللسان عن الفراء ولم يعزه :
حشا رهط النبي ؛ فإن منهم |
|
بحورا لا تكدرها الدلاء |
ومنها قول الأقيشر ، وأنشده في اللسان أيضا :
في فتية جعلوا الصليب إلههم |
|
حاشاي إني مسلم معذور |
وإنما قلنا إن الياء في «حاشاي» في محل جر لأنها لو كانت في محل نصب لأتى بنون الوقاية فكان يقول «حاشاني» كما قال الآخر في «عدا» :
تمل الندامى ما عداني ؛ فإنني |
|
بكل الذي يهوى نديمي مولع |
نقول : نحن لا ننكر أن «حاشا» يأتي بعدها الاسم مجرورا ، لكن الاسم في هذا البيت منصوب بعد حاشا في رواية الرواة من حملة الشعر ، وقد ذكر ابن هشام الروايتين ، ثم قال : ويحتمل أن من روى «حاشا أبا ثوبان» قد أتى بالكلمة على لغة من يلزم الأسماء الستة الألف في الأحوال كلها ، وهو كلام عجيب من مثل ابن هشام ، أن يحمل البيت على لغة ضعيفة لمجرد أن سيبويه شيخ النحاة لم يحفظ النصب بعد حاشى.
__________________
(١) في الأصل «لا يعمل مع الحرف» وهو ظاهر التحريف ، والمؤلف يشير بهذا إلى رد مذهب الفراء الذي ذكرناه في شرح الشاهد ١٦٥ السابق ، وخلاصته أن المجرور بعد حاشى مجرور بحرف جر محذوف ، وأن أصل قولك «حاشى زيد» بالجر هو «حاشى لزيد» وحاشا فعل ماض ، والجار والمجرور متعلق به ،