فكما بنيت هذه الأفعال من هذه الألفاظ وإن كانت لا تتصرف فكذلك هاهنا.
وأما قولهم «إن لام الجرّ تتعلق به» قلنا : لا نسلّم ؛ فإن اللام في قولهم «حاشى لله» زائدة لا تتعلق بشيء ، كقوله تعالى : (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) [الأعراف : ١٥٤] لأن التقدير فيه : يرهبون ربّهم ، واللام زائدة لا تتعلق بشيء ، وكقوله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى) [العلق : ١٤] أي ألم يعلم أن الله ؛ والباء زائدة لا تتعلق بشيء ، وكقوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) [العلق : ١] أي اقرأ اسم ربك ، وكقوله تعالى : (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة : ١٩٥] أي ولا تلقوا أيديكم ، وقوله تعالى : (تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ) [المؤمنون : ٢٠] أي تنبت الدهن ، ويجوز أن تكون هنا معدّية ؛ لأنه يقال : نبت وأنبت ، لغتان بمعنى واحد ، وكقولهم «بحسبك زيد» أي حسبك وكقول الشاعر :
[١٦٨]* ونضرب بالسّيف ونرجو بالفرج*
أي نرجو الفرج ، والباء زائدة لا تتعلق بشيء ، فكذلك هاهنا.
وأما قوله تعالى : (وَقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ) [يوسف : ١٢] فليس لهم فيه حجّة ؛ فإن حاشى هاهنا ليس باستثناء ، إذ ليس هو موضع استثناء ، وإنما هو كقولك ـ إذا قيل
______________________________________________________
ومثله ما أنشده ابن السكيت :
ولكن يبأبئه بؤبؤ |
|
وبئباؤه حجا أحجؤه |
يبأبئه : يفديه ، وبؤبؤ : أي سيد كريم ، وبئباؤه : تفديته ، وحجأ : فرح وأحجؤه : أفرح به.
[١٦٨] هذا بيت من مشطور الرجز ينسب للجعدي من غير تعيين ، وهو من شواهد مغني اللبيب (رقم ١٥٨) وشرح الكافية في باب حروف الجر ، وشرحه البغدادي (٤ / ١٥٩) وقبل البيت قوله :
* نحن بنو جعدة أصحاب الفلج*
والفلج ـ بفتح الفاء واللام جميعا ـ الماء الجاري ، ويقال : البئر الكبيرة ، وقالوا : عين خلج ، وماء فلج ، ويروى «أرباب الفلج» والمعنى واحد ، والاستشهاد بالبيت في قوله «نرجو بالفرج» حيث زاد الراجز الباء في المفعول به ، وذلك أن الرجاء وما تصرف منه يتعدى إلى المفعول بنفسه ، تقول : رجاه يرجوه ، وكذلك ارتجاه يرتجيه ، ورجاه يرجيه ـ بتضعيف الجيم ، قال الله تعالى : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) وقال بشر :
فرجي الخير وانتظري إيابي |
|
إذا ما القارظ العنزي آبا |
وقد اختلفت عبارة العلماء في زيادة الباء في بيت الشاهد ، فقال ابن عصفور : زيادة الباء هنا ضرورة ، وقال ابن السيد البطليوسي في شرح أدب الكاتب ، إنما عدي الرجاء بالباء لأنه بمعنى الطمع ، والطمع يتعدى بالباء كقولك : طمعت بكذا ، قال الشاعر :
طمعت بليلى أن تجود ، وإنما |
|
تقطع أعناق الرجال المطامع |