لك فلان يقتل أو يموت أو نحو ذلك ـ «حاشاه» وهذا ليس باستثناء ، وإنما هو بمنزلة قولك «بعيدا منه» فكذلك هاهنا.
وأما قولهم «يدخله الحذف والحذف لا يكون في الحرف» قلنا : الجواب عن هذا من وجهين :
أحدهما : أنّا لا نسلم أنه قد دخله الحذف ؛ فإن الأصل عند بعضهم [١٢٩] في حاشى حاش بغير ألف ، وإنما زيدت فيه الألف. وهذا هو الجواب عن احتجاجهم بقراءة من قرأ : (حاشَ لِلَّهِ) ثم نقول : إن هذه القراءة قد أنكرها أبو عمرو بن العلاء سيد القراء ، وقال : العرب لا تقول «حاش لك» ولا «حاشك» وإنما تقول «حاشى لك ، وحاشاك» وكان يقرؤها حاشى لله بالألف في الوصل ، ويقف بغير ألف في الوقف متابعة للمصحف ؛ لأن الكتابة على الوقف لا على الوصل ، وكذلك قال عيسى بن عمر الثقفي ـ وكان من الموثوق بعلمهم في العربية ـ : العرب كلها تقول «حاشى لله» بالألف ، وهذه حجة لأبي عمرو.
والوجه الثاني : أنّا نسلم أن الأصل فيه حاشى بالألف ، وإنما حذفت لكثرة الاستعمال ، وقولهم «إن الحرف لا يدخله الحذف» قلنا : لا نسلم ، بل الحرف يدخله الحذف ، ألا ترى أنهم قالوا في ربّ : رب ، بالتخفيف ، وقد قرىء به ، قال الله تعالى : (رُبَما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كانُوا مُسْلِمِينَ) [الحجر : ٢] ثم قال الشاعر :
[١٦٩] ازهير إن يشب القذال فإنّه |
|
رب هيضل لجب لففت بهيضا |
______________________________________________________
[١٦٩] هذا البيت من كلام أبي كبير الهذلي ، واسمه عامر بن حلس ، وقد استشهد بالبيت رضي الدين في شرح الكافية في باب حروف الجر ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ١٦٥) وأنشده موفق الدين بن يعيش (ص ١٠٩٣) وقوله «أزهير» الهمزة فيه للنداء ، وزهير : اسم ابن الشاعر ، بدليل قوله في قصيدة أخرى :
أزهير هل عن شيبة من مقصر |
|
أم لا سبيل إلى الشباب المدبر |
فقد الشباب أبوك إلا ذكره |
|
فاعجب لذلك فعل دهر وامكر |
والقذال ـ بفتح القاف ، بزنة السحاب ـ ما بين نقرة القفا وأعلى الأذن ، وهو آخر موضع من الرأس يشيب شعره ، وربما أطلق القذال وأريد الرأس كله من باب إطلاق اسم الجزء وإرادة كله ، والهيضل ـ بزنة جعفر ـ الجماعة من الناس ، ولجب ـ بفتح اللام وكسر الجيم ـ معناه كثير الجلبة مرتفع الأصوات ، ويروى في مكانه «مرس» بفتح فكسر ـ ومعناه شديد ، وقوله «لففت» يروى بفاءين ومعناه جمعت ، ويروى «لفقت» بفاء بعدها قاف ، ومعناه جمعت أيضا ، يريد أنه جمع جيشا يجيش للحرب والطعان والاستشهاد بالبيت في قوله «رب هيضل» حيث جاء برب مخففة بياء واحدة ، وقد اختلف العلماء في الباء الباقية : أساكنة هي أم مفتوحة ، فذكر قوم منهم ابن جني أنها ساكنة ، وعليه يكون الشاعر قد حذف الباء الثانية