أراد «ولا ترضّها» ، وقال عنترة :
[١٢] ينباع من ذفرى غضوب جسرة |
|
زيّافة مثل الفنيق المكدم |
أراد «ينبع». وقال الشاعر في إشباع الكسرة :
[١٣] تنفي يداها الحصى في كلّ هاجرة |
|
نفي الدّراهيم تنقاد الصّياريف |
______________________________________________________
فإن قوله «كأن لم تري» يجري فيه الرأيان اللذان ذكرناهما ، ويزيد هذا البيت وجها ثالثا ، وحاصله أن قوله «تري» بفتح التاء والراء وسكون الياء ، وهذه الياء هي ياء المؤنثة المخاطبة ، وليست لام الكلمة ولا ألف إشباع ، وكأنه بعد أن ذكر ضحكها منه التفت إليها فقال مخاطبا لها : كأنك لم تري قبل هذه المرة أسيرا يمانيا.
[١٢] هذا البيت ـ كما قال المؤلف ـ لعنترة بن شداد العبسي ، من قصيدته المعلقة المشهورة ، وهو من شواهد الرضي ، وقد شرحه البغدادي في الخزانة (١ / ٥٩) وقوله «ينباع» معناه ينبع ، تقول «نبع الماء ، والعرق ، ونحوهما ، ينبع» من باب فتح يفتح ، ويأتي أيضا من بابي نصر وضرب ـ إذا خرج ، والذفرى ـ بكسر الذال وسكون الفاء ـ العظم الذي خلف الأذن ، و «غضوب» هي الناقة و «جسرة» الطويلة العظيمة الجسم ، و «زيافة» هي السريعة السير ، و «الفنيق» الفحل المكرم الذي لا يؤذي لكرامته على أهله ، و «المكدم» الفحل القوي ، وقالوا «بعير مكدم» يريدون أنه غليظ شديد ، وقالوا أيضا «قدح مكدم» يريدون أن زجاجه غليظ ، والاستشهاد به في قوله «ينباع» فإن أصله ـ على ما قال المؤلف ـ ينبع ، مثل يقطع ويفتح ، فلما اضطر لإقامة الوزن أشبع فتحة الباء فنشأت عن هذا الإشباع ألف ، وعلى هذا يكون وزن ينباع يفعال ، وهذا أحد وجهين للنحاة في هذه الكلمة ، والثاني أن الياء ياء المضارعة كما في الرأي الأول ، لكن النون التي بعدها ليست أصلا ، ولكنها زائدة ، والحروف الأصلية هي الباء وما بعدها ، وأصل هذه الألف ياء ، فقلبت ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ، فوزن ينباع على هذا ينفعل ، مثل ينقاد وينداح ، وهذا بعيد لا يقره الاشتقاق ولا المعنى المراد.
ونظير هذه الشواهد التي أثرها المؤلف لإشباع الفتحة حتى تنشأ ألف قول الراجز :
أعوذ بالله من العقراب |
|
الشائلات عقد الأذناب |
أراد «العقرب» فأشبع فتحة الراء فنشأت ألف ، ومثله قول الراجز الآخر وأنشده ابن منظور (د ر ه م).
لو أن عندي مائتي درهام |
|
لجاز في آفاقها خاتامي |
أراد «مائتي درهم» فأشبع فتحة الهاء فنشأت ألف ، ومثل ذلك في قوله «خاتامي» فإنه أراد «خاتمي» فأشبع فتحة التاء فتولدت ألف ، ونظيره قول الراجز الآخر ، وأنشده ابن منظور أيضا (خ ت م) لبعض بني عقيل :
لئن كان ما حدثته اليوم صادقا |
|
أصم في نهار القيظ للشمس باديا |
وأركب حمارا بين سرج وفروة |
|
وأعر من الخاتام صغرى شماليا |
أراد أن يقول «وأعر من الخاتم» فأشبع فتحة التاء فتولدت من ذلك الإشباع ألف.
[١٣] هذا البيت من كلام الفرزدق همام بن غالب ، وقد أنشده ابن منظور (ص ر ف ـ د ر ه م)