فخفض «دين» بإضمار حرف الخفض.
والذي يدل على ذلك أنكم تعملون ربّ مع الحذف بعد الواو والفاء وبل ؛ فدل على جوازه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : أجمعنا على أن الأصل في حروف الجر أن لا تعمل مع الحذف ، وإنما تعمل مع الحذف في بعض المواضع إذا كان لها عوض ، ولم يوجد هاهنا ، فبقينا فيما عداه على الأصل ، والتمسك بالأصل تمسك باستصحاب الحال ، وهو من الأدلة المعتبرة ، ويخرّج على هذا الجرّ إذا دخلت ألف الاستفهام [١٧٣] وها التنبيه نحو «آلله ما فعل ، وهالله ما فعلت» لأن ألف الاستفهام وها صارتا عوضا عن حرف القسم ؛ والذي يدل على ذلك أنه لا يجوز أن يظهر معهما حرف القسم ؛ فلا يقال «أوالله» ولا «ها والله» لأنه لا يجوز أن يجمع بين العوض والمعوض ، ألا ترى أن الواو لما كانت عوضا عن الباء لم يجز أن يجمع بينهما ؛ فلا يجوز أن يقال : «بوالله لأفعلنّ»؟ فكذلك هاهنا.
وأما الجواب عن كلمات الكوفيين : أما احتجاجهم بقولهم «ألله لأفعلن» فإنما جاز ذلك مع هذا الاسم خاصة على خلاف القياس لكثرة استعماله ، كما جاز دخول حرف النداء عليه مع الألف واللام دون غيره من الأسماء لكثرة الاستعمال ؛ فكذلك هاهنا : جاز حذف حرف الخفض لكثرة الاستعمال مع هذا الاسم دون غيره ، فبقينا فيما عداه على الأصل. يدل عليه أن هذا الاسم يختص بما لا يكون في غيره ، ألا ترى أنه يختص بالتاء كقوله تعالى : (وَتَاللهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) [الأنبياء : ٥٧] وإن كان لا يجوز دخول التاء في غيره ، كما لا يجوز إدخال التاء
______________________________________________________
فيجعلون العطف عليه بالجر تبعا لحاله الذي هو عليه حقيقة ، وأما الذين يذهبون إلى أن المصدر بعد حذف حرف الجر صار منصوبا فيجعلون العطف عليه بالجر على أحد وجهين : الأول أنه معطوف على محل المصدر الذي كان له قبل حذف حرف الجر ، والثاني أنه معطوف على التوهم ، وكأن الشاعر بعد أن قال «أن تكون حبيبة» قد توهم أنه أدخل حرف الجر لأنه كثيرا ما يتكلم به ، فأتى بالمعطوف مجرورا ، قال ابن هشام في المغني (ص ٥٢٦ بتحقيقنا) : «وقوله :
* وما زرت ليلى أن تكون حبيبة* البيت
رووه بخفض دين عطفا على محل أن تكون ؛ إذ أصله لأن تكون ، وقد يجاب بأنه عطف على توهم دخول اللام ، وقد يعترض بأن الحمل على العطف على المحل أظهر من الحمل على العطف على التوهم ، ويجاب بأن القواعد لا تثبت بالمحتملات» اه. وقال سيبويه بعد إنشاد البيت «جره لأنه صار كأنه قال : لأن تكون» اه. وقال الأعلم : «الشاهد فيه حمل دين على معنى لأن تكون ، وجرّه» اه.