في «أسنتوا» إلا في خلاف الخصب ، ولا يقال «تالرحمن» (١) ولا «تالرحيم» وكما أن ما حكاه أبو الحسن الأخفش من قوله «تربّي» لا يدل على جوازه لشذوذه وقلته ؛ فكذلك قولهم «ألله لأفعلن» لا يدل على جوازه في غيره ، واختصاص هذا الاسم بهذا الحكم كاختصاص «لات» بحين ، و «لدن» بغدوة ، و «جاءت» بحاجتك في قولهم «ما جاءت حاجتك» فإن لات لا تعمل إلّا في الحين ، ولدن لا تنصب إلا غدوة ، وجاءت لا تنصب إلا حاجتك ، كأنهم قالوا : ما صارت حاجتك ، أو كانت حاجتك ، وأدخلوا التاء على ما (٢) إذ كان ما هو الحاجة كما قال بعضهم «من كانت أمّك» فنصب الأم وأنث من حيث أوقعها على مؤنث ؛ ولأن هذا الاسم علم فجاز أن يختص بما لا يكون في غيره ؛ لأن الأسماء الأعلام كثيرا ما يعدل ببعضها عن قياس الكلام ، ألا ترى أنهم قالوا «موهب ، ومورق» ففتحوا العين وقياسها أن تكسر ، وكذلك قالوا : «حيوة» بالواو وإن كان قياسها أن تكون بالياء ، وكذلك قالوا «مزيد ، ومكوزة ، ومدين» فصححوا وإن كان القياس أن يعلوّا ؛ لأن ما كان من الأسماء على مفعل أو مفعل ؛ فإنه يعتل لمجيئة على وزن الفعل وفصل الميم له من أمثلته ، وكذلك [١٧٤] قالوا «محبب» بغير إدغام وإن كان القياس الإدغام ، وكذلك قالوا «العجّاج ، والحجّاج» بإمالة الألف وإن كان قياسها أن لا تمال ؛ لعدم شرط الإمالة من الياء والكسرة ، وهذا لأن من كلامهم أن يجعلوا الشيء في موضع على غير حاله في سائر الكلام : إما لكثرة الاستعمال ، أو تنبيه على أصل ، أو غير ذلك.
وأما احتجاجهم بما حكى يونس أن من العرب من يقول «مررت برجل صالح إلا صالح فطالح» أي «إلا أكن مررت برجل صالح فقد مررت بطالح» قلنا : هذا لغة قليلة الاستعمال بعيدة عن القياس ؛ فلا يجوز أن يقاس عليها : أما قلتها في الاستعمال فظاهر ؛ لأن أكثر العرب لا تتكلم بها ، وإنما جاءت قليلة في لغة لبعض العرب ؛ وأما بعدها عن القياس فإنك تفتقر إلى إضمار أشياء ، وحكم الإضمار أن يكون شيئا واحدا ، ألا ترى أنك إذا قلت «مررت برجل صالح إلا صالح فطالح» تقديره : إلا أكن مررت بصالح [فقد مررت بطالح] فتفتقر إلى أشياء ، وذلك بعيد عن القياس ، وهذا شبيه بقول النحويين «ما مررت بزيد فكيف أخيه» ويقول الرجل : جئتك بدرهم ، فيقول المجيب «فهلا دينار» وهذا كله رديء لا تتكلم به العرب.
__________________
(١) من النحاة من جوّز دخول التاء على «رب» مضافا للكعبة أو إلى ياء المتكلم فيقال «ترب الكعبة» ويقال «تربي لأفعلن» ومنهم من حكى دخولها على «الرحمن» فيقال «تالرحمن» ومنهم من حكى دخولها على «حياتك» فيقال «تحياتك» وكل ذلك قليل أو نادر.
(٢) المراد أنهم أنثوا الفعل المسند إلى ضمير عائد إلى ما ، مراعاة لمعنى ما. وذلك أنهم قالوا «جاءت» بتاء التأنيث ؛ لأن في جاء ضميرا مستترا يعود إلى «ما» وما هي الحاجة ؛ لأن المبتدأ والخبر شيء واحد.