الفعل ، كما كانت الألف في اليماني (١) عوضا عن إحدى ياءي النسب ، والذي يدل على أنها عوض عن الفعل أنه لا يجوز ذكر الفعل معها ؛ لئلا يجمع بين العوض والمعوض ، ونحن وإن اختلفنا في أنّ «أن» هاهنا هل هي بمعنى إن الشرطية أو أنها في تقدير لأن فما اختلفنا في أن «ما» عوض عن الفعل ، وكذلك أيضا قولهم «إمّا لا فافعل هذا» تقديره : إن لم تفعل ما يلزمك فافعل هذا ؛ لأن الأصل في هذا أن الرجل تلزمه أشياء ، فيطالب بها ، فيمتنع منها ، فيقنع منه ببعضها ، فيقال له «إمّا لا فافعل هذا» أي : إن لم تفعل ما يلزمك فأفعل هذا ، ثم حذف الفعل لكثرة الاستعمال وزيدت «ما» على «إن» عوضا عنه فصارا بمنزلة حرف واحد ، والذي يدل على أنها صارت عوضا عن الفعل أنه يجوز إمالتها فيقال «إما لا» بالإمالة كما أمالوا «بلى» و «يا» في النداء ، فلو لم تكن كافية من الفعل وإلا لما جازت إمالتها ؛ لأن الأصل في الحروف أن لا تدخلها الإمالة ، فلما جاز إمالتها هاهنا دل على أنها كافية من الفعل ، كما كانت «بلى» و «يا» كذلك ، وكذلك أيضا قالوا «من سلّم عليك فسلّم عليه ومن لا فلا تعبأ به» وتقديره : ومن لا يسلم عليك فلا تعبأ به ، وقال الشاعر :
[٣٣] فطلّقها فلست لها بندّ |
|
وإلّا يعل مفرقك الحسام |
أراد : وإلّا تطلقها يعل ، وكذلك قالوا «حينئذ الآن» تقديره : واسمع الآن ، ومعناه أن ذاكرا ذكر شيئا فيما مضى يستدعي في الحال مثله فقال له المخاطب «حينئذ الآن» أي : كان الذي تذكره حينئذ ، واسمع الآن ، أو دع الآن ذكره أو [٣٨] نحو ذلك من التقدير ، وكذلك قالوا «ما أغفله عنك شيئا» وتقديره : انظر شيئا ، كأن قائلا قال «ليس بغافل عني» فقال المجيب : ما أغفله عنك شيئا ، أي انظر شيئا ، فحذف. والحذف في كلامهم لدلالة الحال وكثرة الاستعمال أكثر من أن يحصى ؛
______________________________________________________
[٣٣] هذا البيت من كلام الأحوص ، واسمه محمد بن عبد الله الأنصاري ، وهو من شواهد الأشموني (رقم ١٠٩٠) وأوضح المسالك (رقم ٥١٦) ومغني اللبيب (رقم ٩٠٥) وابن عقيل (رقم ٣٤٥) وقوله «طلقها» أمر من التطليق وهو فصم عروة الزواج وحل العصمة «ند» أي مكافىء ، ويروى «بكفء» وهو بضم الكاف وسكون الفاء وآخره همزة ـ المساوي في نسب وغيره مما تعتبره الشريعة صفات لازمة للتكافؤ بين الزوجين «مفرقك» المفرق ـ بزنة المجلس والمقعد ـ وسط الرأس «الحسام» السيف ، والاستشهاد به في قوله «وإلا» فإن هذه الكلمة مؤلفة من حرفين أولهما إن الشرطية ، والثاني لا النافية ، وقد حذف فعل الشرط ، وأصل الكلام : وإن لا تطلقها يعل ـ الخ.
__________________
(١) اليماني : نسبة إلى اليمن ، وأصل القياس أن يقال «يمني» بلفظ المنسوب إليه مضافا إليه ياء مشددة ، ولكنهم حذفوا إحدى الياءين وعوضوا منها ألفا بعد الميم ، ونظيره قولهم شآم في النسبة إلى الشأم.