فدل على أنّ الفعل محذوف هاهنا بعد «لو لا» وأنه اكتفى بلولا ، على ما بيّنا ؛ فوجب أن يكون مرفوعا بها.
والذي يدل على أن الاسم يرتفع بها دون الابتداء أن «أنّ» إذا وقعت بعدها كانت مفتوحة نحو قولك «لو لا أن زيدا ذاهب لأكرمتك» ولو كانت في موضع الابتداء لوجب أن تكون مكسورة ؛ فلما وجب الفتح دل على صحة ما ذهبنا إليه.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : إنما قلنا إنه يرتفع بالابتداء دون «لو لا» وذلك لأن الحرف إنما يعمل إذا كان مختصّا ، ولو لا لا تختصّ بالاسم دون الفعل ، بل قد تدخل على الفعل كما تدخل على الاسم ، قال الشاعر :
[٣٤] قالت أمامة لمّا جئت زائرها : |
|
هلّا رميت ببعض الأسهم السّود |
لا درّ درّك ؛ إنّي قد رميتهم |
|
لو لا حددت ولا عذري لمحدود |
______________________________________________________
[٣٤] أنشد ابن يعيش هذين البيتين ، ونسبهما إلى الجموح ، وأنشدهما الرضي من غير عزو ، وشرحهما البغدادي في الخزانة ١ / ٢٢١ ، وأنشدهما ابن منظور (ع ذ ر) ونسبهما للجموح الظفري ، ثم قال : «يقال : هذا الشعر لراشد بن عبد ربه ، وكان اسمه غاويا ، فسماه النبي صلىاللهعليهوسلم راشدا» اه ، وأمامة : اسم امرأة ، والأسهم السود : يقال هي كناية عن الأسطر المكتوبة ، يعني هلا كتبت لي كتابا ، ويقال : الأسهم السود نظر مقلتيه ، وكلا هذين التفسيرين مما لا أستسيغه ، ولا هو مما يلتئم مع البيت التالي ، وحددت : معناه حرمت ومنعت وفارقني الجد والحظ ، والعذرى ـ بضم العين وسكون الذال ـ المعذرة ، واستشهاد المؤلف بهذا البيت للبصريين في قوله «لو لا حددت» حيث دخلت لو لا على الفعل ، وقد دخلت على الاسم في شواهد كثيرة ، وذلك يدل على أنها ليست مختصة بالاسم ولا هي مختصة بالدخول على الفعل ، بل تدخل على كل واحد من القبيلين ، ومتى سلم أنها ليست مختصة بأحد القبيلين لم تكن عاملة ؛ لأن من المقرر عندهم أن كل حرف مشترك لا يعمل في أحد القبيلين ، وهذا الكلام منقوض من ثلاثة أوجه : الأول : أنا لا نسلم أن «لو لا» في هذا الشاهد هي لو لا التي نقول نحن يا معشر الكوفيين إنها ترفع الاسم الذي يليها ، بل هي مؤلفة من حرفين الأول لو التي هي حرف امتناع لامتناع. والثاني لا النافية ، وهذا هو الوجه الذي ذكره المؤلف ، وسيأتي في شرح الشاهد ٣٧ كلام على هذا الوجه ، والوجه الثاني : نسلم أن «لو لا» التي في هذا الشاهد هي لو لا التي وقع الخلاف بيننا وبينكم بشأنها ، لكن لا نسلم أنها داخلة على الفعل في اللفظ والتقدير جميعا ، بل هي داخلة على الاسم عند التحقيق ، وذلك أن الكلام على تقدير أن المصدرية التي تنسبك مع هذا الفعل بالاسم ، وأصل الكلام لو لا أن حددت ، فحذف الشاعر أن وهو ينويها ، والتقدير : لو لا الحد ، أي لو لا المنع والحرمان ، وحذف أن المصدرية مع نيتها واقع في كلام العرب ، والوجه الثالث : أنا لا نسلم ما أصلتموه من القاعدة القائلة إن الحرف المشترك لا يعمل في أحد القبيلين ، فكم من الحروف المشتركة وهو عامل ، مثل ما ولا النافيتين ، وبعض الحروف المختصة لا يعمل شيئا مثل أل ، فالقاعدة غير مطردة ولا منعكسة.