وكقول الآخر :
[٣٨]* وأيّ أمر سيّىء لا فعله*
أي : لم يفعله ، فكذلك هاهنا قوله «لو لا حددت» أي لو لم أحدّ ؛ فدلّ على أن «لو لا» هذه ليست لو لا التي وقع فيها الخلاف ، فدلّ على أنها مختصة بالأسماء دون الأفعال ، فوجب أن تكون عاملة على ما بيّنا.
وأما قولهم «لو كانت لو لا هي العاملة لأن التقدير لو لم يمنعني زيد لكان فيها معنى الجحد ، فكان ينبغي أن يعطف عليها بولا : لأن الجحد يعطف عليه بولا إلى آخر ما قرّروه» قلنا : إنما لم يجز ذلك لأن «لو لا» مركبة من لو ولا ، فلما ركبتا خرجت لو من حدها ولا من الجحد ؛ إذ ركبتا فصيّرتا حرفا واحدا ؛ فإن الحروف إذا ركب بعضها مع بعض تغيّر حكمها الأول ، وحدث لها بالتركيب حكم آخر ، كما قلنا في «لو لا» بمعنى التّحضيض ، ولو ما وألّا وما أشبهه ، وكذلك هاهنا ؛ فلهذا لم يجز العطف عليها بولا ، والله أعلم.
______________________________________________________
وذلك من قبل أن لا النافية في قول الشاعر «لا ألما» وقول الآخر «لا فعله» وقول الثالث «لا ساء» قد دخلت على أفعال ماضية في اللفظ والمعنى ـ لما رأى النحاة ذلك انطلقوا يلتمسون لأنفسهم مخرجا ، فأما المؤلف فقد سمعت كلامه ، وأما قوم آخرون فقد زعموا في بعض ذلك أن «لا» مكررة في المعنى وإن لم تتكرر في اللفظ ، ومن أمثلة ذلك ما قاله الزمخشري في قوله تعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) قال «فإن قلت : قلما تقع لا الداخلة على الماضي إلا مكررة ؛ فما لها لم تكرر في الكلام الأفصح؟ قلت : هي متكررة في المعنى ؛ لأن المعنى : فلا فك رقبة ولا أطعم مسكينا ، ألا ترى أنه فسر العقبة بذلك» اه ، وتفسير العقبة هو قوله تعالى : (وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ؟ فَكُّ رَقَبَةٍ ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيماً) وذهب قوم في الشواهد التي ذكرناها إلى أنها شاذة لا يقاس عليها ولا تنبني عليها قاعدة.
[٣٨] هذا بيت من الرجز المشطور ، وقد أنشده ابن منظور (ز ن ى) ولم يعزه ، وقد استشهد به رضي الدين في شرح الكافية في باب حروف الجر ، وشرحه البغدادي في الخزانة (٤ / ٢٢٨) ونسبه لشهاب بن العيف ، وهو أيضا من شواهد الكشاف في تفسير سورة البلد ، ومن شواهد مغني اللبيب (رقم ٤٠٥) وقبله قول الراجز :
لا هم إن الحارث بن جبله |
|
زنى على أبيه ثم قتله |
* وكان في جاراته لا عهد له* |
وقوله «زنى على أبيه» يروى بتخفيف النون ويروى بتشديدها ، ومعناها ضيق على أبيه ، وقال ابن هشام «أصله زنى بامرأة أبيه ، فحذف المضاف ، وأناب على عن الباء» اه ، وهو تكلف لا مبرر له ، والاستشهاد بالبيت في قوله «لا فعله» حيث دخلت لا النافية على الفعل الماضي لفظا ومعنى ولم تتكرر ، والمؤلف يذكر أن لا بمعنى لم والماضي بمعنى المضارع ، على نحو ما أسلفناه لك في شرح الشاهد السابق.