وقال الآخر :
[٦٠] ثمّت قمنا إلى جرد مسوّمة |
|
أعرافهنّ لأيدينا مناديل |
فلحاقها بالحرف يبطل ما ادّعيتموه من اختصاص الفعل بها ، وإذا بطل الاختصاص جاز أن تكون نعم وبئس اسمين لحقتهما هذه التاء كما لحقت ربّت وثمّت. هذا على أن نعم وبئس لا تلزمهما التاء بوقوع المؤنث بعدهما كما تلزم الأفعال ، ألا ترى أن قولك «قام المرأة ، وقعد الجارية» لا يجوز في سعة الكلام ،
______________________________________________________
التأنيث اللاحقة لهذه الأفعال ساكنة ، بخلاف تاء التأنيث في ثمت وفي ربت وفي لات ، فإنها متحركة مفتوحة ، فلما اختلفت التاء في هذه الكلمات عن التاء اللاحقة للأفعال دل على أنها ليست هي التاء التي نجعلها خاصة من خصائص الأفعال ، بدليل أننا نقول : إن تاء التأنيث المختصة بالأفعال هي تاء التأنيث الساكنة ، والوجه الثاني : أن تاء التأنيث اللاحقة للأفعال والتي هي خاصة من خصائص الفعل الماضي إنما تلحق الفعل لتدل على أن فاعله مؤنث ؛ فأنت تقول : قامت هند ، وقعدت فاطمة ، وأقامت سلمى ، وسافرت سعدى ، فتأتي بهذه التاء ألبتة مع الفاعل المؤنث للفرق بين الفعل المذكر وفعل المؤنث ؛ لأن بعض الأسماء يشترك في التسمية بها المذكر والمؤنث فلا يكفي ذكر هذه الأسماء من غير تأنيث الفعل للدلالة على أن المراد بها مؤنث ، أما التاء اللاحقة لرب وثم ولا فليست بهذه المنزلة ، بل المراد بها تأنيث اللفظ ، فلتكن التاء التي هي من خصائص الأفعال هي التاء الدالة على تأنيث الفاعل الذي يسند الفعل المقترن بها إليه ، والوجه الثالث : أنا نقول : إن لحاق هذه التاء لهذه الحروف شاذ عن القياس بالإجماع منا ومنكم ، والحكم فيما عدا هذه الكلمات المحفوظة المعروفة باق على أصله لا ينقضه شيء.
[٦٠] هذا البيت من قصيدة مستجادة لعبدة بن الطبيب ، وهو شاعر مخضرم ، وقصيدته التي منها بيت الشاهد هي المفضلية رقم ٢٦ ، والجرد : جمع أجرد أو جرداء ، والأجرد من الخيل : القصير الشعر ، والمسومة : المعلمة ، والأعراف : جمع عرف ـ بالضم ـ وهو الشعر الذي في عنق الفرس ، والمناديل : جمع منديل ، وهو الذي تمسح به يديك من وضر الطعام ونحوه ، يقول : إنهم بعد أن طعموا ركبوا الخيل الجرداء المعلمة ومسحوا أيديهم من آثار الطعام بأعرافها ، والاستشهاد بالبيت في قوله «ثمت» حيث اتصلت تاء التأنيث بثم ، ومن المتفق عليه بين الفريقين أن ثم حرف من حروف العطف ، وقد بينا وجه الاستشهاد بذلك في شرح البيت السابق ، ونظير بيت عبدة هذا في اقتران ثم بتاء التأنيث قول شمر بن عمرو الحنفي ، وهو من شعر الأصمعيات :
ولقد مررت على اللئيم يسبني |
|
فمضيت ثمت قلت : لا يعنيني |
وقول الآخر وأنشده ابن منظور (ب ى ع ـ ث م م) :
* ثمت ينباع انبياع الشجاع*
وقول عمر بن أبي ربيعة (د ٢٥٨ بتحقيقنا) :
اسأليه ثمت استمعي |
|
أينا أحق بالظلم؟ |