الساكنة التي لا يقلبها أحد من العرب في الوقف هاء كما قلبوها في نحو رحمة وسنة وشجرة ، وذلك قولهم «نعمت المرأة ، وبئست الجارية» لأن هذه التاء يختصّ بها الفعل الماضي لا تتعدّاه ، فلا يجوز الحكم باسمية ما اتصلت به.
اعترضوا على هذا بأن قالوا : قولكم «إن هذه التاء يختصّ بها الفعل» ليس بصحيح ؛ لأنها قد اتصلت بالحرف في قولهم «ربّت ، وثمّت ، ولات» في قوله تعالى : (فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ) [ص : ٣] قال الشاعر :
[٥٩] ماويّ بل ربّتما غارة |
|
شعواء كاللّذعة بالميسم |
______________________________________________________
[٥٩] هذا البيت لضمرة بن ضمرة النهشلي ، ويروى صدره :
* ماوي يا ربتما غارة*
وهو من شواهد ابن عقيل (رقم ٢١٦) وأنشده ابن منظور (ر ب ب). والغارة : الاسم من قولك «أغار القوم» أي أسرعوا السير إلى الحرب ، وقوله «شعواء» يريد متفرقة منتشرة ، و «اللذعة» مأخوذ من قولك «لذعته النار تلذعه» من باب قطع ـ أي أحرقته ، وـ «الميسم» بكسر الميم أوله : اسم الآلة من الوسم ، وبها توسم الإبل ، توضع في النار ثم تمس بها الإبل لتكون علامة على أصحابها ، وكان لكل قبيلة ميسم على هيئة وشكل مخصوص يعلمون بها إبلهم حتى يعرفها الناس ويفسحوا لها المجال لتشرب الماء. وموطن الاستشهاد بهذا البيت هنا قوله «ربتما» حيث اقترنت تاء التأنيث برب ، وقد علم أن تاء التأنيث لا تقترن إلا بالأفعال ، وقد اتفق الفريقان على أن رب ليس فعلا ، فيكون اقتران رب بتاء التأنيث كاقتران حرف النداء بالفعل وبالحرف فيما مضى من الشواهد ، ونظير اقتران تاء التأنيث برب في هذا البيت اقترانها بها في قول الآخر وأنشده ابن منظور :
وربت سائل عني حفي |
|
أعارت عينه أم لم تعارا |
وبعض الكوفيين ينشد هذه الأبيات ونحوها لنقض دليل البصريين الذي استدلوا به على أن نعم وبئس فعلان ، فيقولون : أنتم تستدلون على أن نعم وبئس فعلان باقتران كل واحدة من هاتين الكلمتين بتاء التأنيث ، وتزعمون أن تاء التأنيث مختصة بالدخول على الأفعال ، ولكنا لا نسلم أن كل ما تدخل عليه تاء التأنيث يكون فعلا ، بدليل أن هذه التاء قد دخلت على «ثم» وهو حرف عطف بالإجماع ، كما دخلت على «لا» وهو حرف نفي بالإجماع ، ودخلت على «رب» ونحن وأنتم متفقون على أنه ليس فعلا ، فيكون هذا نظير ما نقضتم به مذهبنا حيث قلتم : إن دخول حرف الجر على الكلمة لا يكون دليلا قاطعا على اسمية الكلمة ؛ لأن حرف الجر قد دخل في اللفظ على الفعل وعلى الحرف وإن حرف النداء الذي هو من خصائص الأسماء قد دخل في اللفظ على الفعل المتفق على فعليته وعلى الحرف المتفق على حرفيته ، وإذن فلم يتم دليلكم كما لم يتم دليلنا ، فما المرجح لمذهبكم على مذهبنا؟. وهذا كلام ظاهره صحيح ، ولكنه عند البحث والتحقيق لا ينهض ولا يستقيم ، وبيان ذلك من ثلاثة أوجه : الوجه الأول : أن تاء التأنيث التي تلحق الفعل والتي هي خاصة من خصائصه ساكنة ، تقول : قامت ، وقعدت ، وأقامت ، وسافرت ، فتجد تاء