أراد «وقالت يا هذا اسمع» فحذف المنادى لدلالة حرف النداء عليه.
وإنما اختصّ هذا التقدير بفعل الأمر دون الخبر لأن المنادى مخاطب ، والمأمور مخاطب ، فحذفوا الأول من المخاطبين اكتفاء بالثاني عنه ، وإذا كان هذا المنادى إنما يقدر محذوفا فيما إذا ولي حرف النداء فعل أمر فلا خلاف أن «نعم المولى» خبر ؛ فيجب أن لا يقدّر المنادى فيه محذوفا ، يدل عليه أن النداء لا يكاد ينفكّ عن الأمر أو ما جرى مجراه من الطلب والنهي ، ولذلك لا يكاد يوجد في كتاب الله تعالى نداء ينفك عن أمر أو نهي ، ولهذا لما جاء بعده الخبر في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ) [الحج : ٧٣] شفعه الأمر في قوله : (فَاسْتَمِعُوا لَهُ) فلما كان النداء لا يكاد ينفكّ عن الأمر وهما جملتا خطاب جاز أن يحذف المنادى من الجملة الأولى ، وليس كذلك «يا نعم المولى ونعم النصير» لأن نعم خبر ؛ فلا يجوز أن يقدّر المنادى فيه محذوفا.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنهما ليسا بفعلين أنه لا يحسن اقتران الزمان بهما كسائر الأفعال ، ألا ترى أنك لا تقول «نعم الرجل أمس» ولا «نعم الرجل غدا» وكذلك أيضا لا تقول «بئس الرجل أمس» ولا «بئس الرجل غدا» فلما لم يحسن اقتران الزمان بهما علم أنهما ليسا بفعلين.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنهما ليسا بفعلين أنهما غير متصرفين ، لأن التصرف من خصائص الأفعال ؛ فلما لم يتصرّفا دل على أنهما ليسا بفعلين.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنهما ليسا بفعلين أنه قد جاء عن العرب «نعيم الرجل زيد» وليس في أمثلة الأفعال فعيل ألبتة ، فدلّ على أنهما اسمان ، وليسا بفعلين.
وأما البصريون فاحتجوا بأن قالوا : الدليل على أنهما فعلان اتصال الضمير المرفوع بهما على حدّ اتصاله بالفعل المتصرف ؛ فإنه قد جاء عن العرب أنهم قالوا «نعما رجلين ، ونعموا رجالا» وحكى ذلك الكسائي ، وقد رفعا مع ذلك المظهر في نحو «نعم الرجل ، وبئس الغلام» والمضمر في نحو «نعم رجلا زيد ، وبئس غلاما [٥٠] عمرو» فدلّ على أنهما فعلان.
ومنهم من تمسّك بأن قال : الدليل على أنهما فعلان اتصالهما بتاء التأنيث
______________________________________________________
العلامة ، كما كان اقتران حرف النداء في هذه الشواهد واقتران حرف الجر في بيت حسان غير دليل على اسمية ما دخل عليه حرف النداء وحرف الجر ؛ لأن الكلام على تقدير محذوف ألبتة.