لما أخبر به النبي صلّى الله عليه وسلّم ولا ادعى أنه معصوم من القتل والقهر من أعدائه وهو لا يأمن أن يوجد ذلك على خلاف ما أخبر به فيظهر كذبه مع غناه عن الأخبار بمثله وأيضا لو كانت هذه الأخبار من عند غير الله لما اتفق في جميعها وجود مخبراتها على ما أخبر به إذ لا يتفق مثلها في أخبار الناس إذا أخبروا عما يكون على جهة الحدث والتخمين وتعاطى علم النجوم والزرق والفال ونحوها فلما اتفق جميع ما أخبر به عنه من الكائنات في المستأنف على ما أخبر به ولا تخلف شيء منها علمنا أنها من عند الله العالم بما كان وما يكون قبل أن يكون قوله تعالى (قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) فيه أمر لأهل الكتاب بالعمل بما في التوراة والإنجيل لأن إقامتها هو العمل بهما وبما في القرآن أيضا لأن قوله تعالى (وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) حقيقته تقتضي أن يكون المراد ما أنزل الله على رسوله فكان خطابا لهم وإن كان محتملا لأن يكون المراد ما أنزل الله على آبائهم في زمان الأنبياء المتقدمين وقوله تعالى (لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ) مقتضاه لستم على شيء من الدين الحق حتى تعلموا بما في التوراة والإنجيل والقرآن وفي هذا دلالة على أن شرائع الأنبياء المتقدمين ما لم ينسخ منها قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلّم فهو ثابت الحكم مأمور به وأنه قد صار شريعة لنبينا صلّى الله عليه وسلّم لو لا ذلك لما أمروا بالثبات عليه والعمل به* فإن قال قائل معلوم نسخ كثير من شرائع الأنبياء المتقدمين على لسان نبينا صلّى الله عليه وسلّم فجائز إذا كان هذا هكذا أن تكون هذه الآية نزلت بعد نسخ كثير منها ويكون معناها الأمر بالإيمان على ما في التوراة والإنجيل من صفة النبي صلّى الله عليه وسلّم ومبعثه وبما في القرآن من الدلالة المعجزة الموجبة لصدقه وإذا احتملت الآية ذلك لم تدل على بقاء شرائع الأنبياء المتقدمين قيل له لا تخلو هذه الآية من أن تكون نزلت قبل نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين فيكون فيها أمر باستعمالها وأخبار ببقاء حكمها أو أن تكون نزلت بعد نسخ كثير منها فإن كان كذلك فإن حكمها ثابت فيما لم ينسخ منها كاستعمال حكم العموم فيما لم تقم دلالة خصوصه واستعمالها فيما لا يجوز فيه النسخ من وصف النبي صلّى الله عليه وسلّم وموجبات أحكام العقول فلم تخل الآية من الدلالة على بقاء حكم ما لم ينسخ من شرائع من قبلنا وأنه قد صار شريعة لنبينا صلّى الله عليه وسلّم قوله تعالى (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) فيه أوضح الدلالة على بطلان قول النصارى