تعالى (فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ) يقتضى إيجاب التكفير مع القدرة مع بقاء الخطاب بالكفارة وإنما يجوز الصوم مع عدم المذكور بديا لأنه قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ) فنقله عن أحد الأشياء الثلاثة إلى الصوم عند عدمها فما دام الخطاب بالكفارة قائما عليه لم يجزه الصوم مع وجود الأصل ودخوله في الصوم لم يسقط عنه الخطاب بأحد الأشياء الثلاثة والدليل عليه أنه لو دخل في صوم اليوم الأول ثم أفسده وهو واجد للرقبة لم يجز الصوم مع وجودها فثبت بذلك أن دخوله في الصوم لم يسقط عنه فرض الأصل فلا فرق بين وجود الرقبة قبل الدخول في الصوم وبعده إذ كان الخطاب بالتكفير قائما عليه في الحالين.
باب تحريم الخمر
قال الله تعالى (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ) اقتضت هذه الآية تحريم الخمر من وجهين أحدهما قوله (رِجْسٌ) لأن الرجس اسم في الشرع لما يلزمه اجتنابه ويقع اسم الرجس على الشيء المستقذر النجس وهذا أيضا يلزم اجتنابه فأوجب وصفه إياها بأنها رجس لزوم اجتنابها والوجه الآخر قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) وذلك أمر والأمر يقتضى الإيجاب فانتظمت الآية تحريم الخمر من هذين الوجهين والخمر هي عصير العنب التي المشتد وذلك متفق عليه أنه خمر وقد سمى بعض الأشربة المحرمة باسم الخمر تشبيها بها مثل الفضيخ وهو نقيع البسر ونقيع التمر وإن لم يتناولهما اسم الإطلاق وقد روى في معنى الخمر آثار مختلفة منها ما روى مالك بن مغول عن نافع عن ابن عمر قال لقد حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء وقد علمنا أنه كان بالمدينة نقيع التمر والبسر وسائر ما يتخذ منهما من الأشربة ولم يكن ابن عمر ممن يخفى عليه الأسماء اللغوية فهذا يدل على أن أشربة النخل لم تكن عنده تسمى خمرا وروى عكرمة عن ابن عباس قال نزل تحريم الخمر وهو الفضيخ فأخبر ابن عباس أن الفضيخ خمر وجائز أن يكون سماه خمرا من حيث كان شرابا محرما* وروى حميد الطويل عن أنس قال كنت أسقى أبى عبيدة وأبى بن كعب وسهيل بن بيضاء في نفر في بيت أبى طلحة فمر بنا رجل فقال إن الخمر قد حرمت فو الله ما قالوا حتى نتبين حتى قالوا أهرق ما في إنائك يا أنس ثم ما عادوا فيها حتى لقوا الله عز وجل وأنه البسر والتمر وهو خمرنا يومئذ فأخبر أنس