بالمصالح ثم قلدوا أحبارهم هؤلاء أحبارهم ورهبانهم في التحليل والتحريم وقبلوه منهم وتركوا أمر الله تعالى فيما حرم وحلل صاروا متخذين لهم أربابا إذ نزلوهم في قبول ذلك منهم منزلة الأرباب وقيل إن معناه إنهم عظموهم كتعظيم الرب لأنهم يسجدون لهم إذا رأوهم وهذا الضرب من التعظيم لا يستحقه غير الله تعالى فلما فعلوا ذلك فهم كانوا متخذين لهم أربابا قوله تعالى (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله) فيه بشارة للنبي صلّى الله عليه وسلّم وللمؤمنين بنصرهم وإظهار دينهم على سائر الأديان وهو إعلاؤه بالحجة والغلبة وقهر أمته لسائر الأمم وقد وجد مخبره على ما أخبر به بظهور أمته وعلوها على سائر الأمم المخالفة لدين الإسلام وفيه الدلالة على صحة نبوة النبي صلّى الله عليه وسلّم وعلى أن القرآن كلام الله ومن عنده وذلك لأن مثله لا يتفق للمتخرصين والكذابين مع كثرة ما في القرآن من الإخبار عن الغيوب إذ لا يعلم الغيب إلا الله فهو إذا كلامه وخبره ولا ينزل الله كلامه إلا على رسوله قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل) أكل المال بالباطل هو تملكه من الجهة المحظورة وروى عن الحسن إنهم كانوا يأخذون الرشى في الحكم وذكر الأكل والمراد وجوه المنافع والتصرف إذ كان أعظم منافعه الأكل والشرب وهو كقوله تعالى (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل) والمراد سائر وجوه المنافع وكقوله تعالى (ولا تأكلوا أموالهم ـ وـ إن الذين يأكلون أموال اليتامى) قوله تعالى (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) الآية يقتضى ظاهره إيجاب إنفاق جميع المال لأن الوعيد لا حق بتارك إنفاق الجميع لقوله (ولا ينفقونها) ولم يقل ولا ينفقون منها فإن قيل لو كان المراد الجميع لقال ولا ينفقونهما قيل له لأن الكلام رجع إلى مدلول عليه كأنه قال ولا ينفقون الكنوز والآخر أن يكتفى بأحدهما عن الآخر للإيجاز كقوله تعالى (وإذا رأوا تجارة أو لهوا أنفضوا إليها) قال الشاعر :
نحن بما عندنا وأنت بما |
|
عندك راض والرأى مختلف |
والمعنى راضون والدليل على أنه راجع إليهما جميعا أنه لو رجع إلى أحدهما دون الآخر لبقي أحدهما عاريا من خبره فيكون كلاما منقطعا لا معنى له إذ كان قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة) مفتقرا إلى خبر ألا ترى أنه لا يجوز الاقتصار عليه وقد روى في معنى