مقدار مائتي درهم أو ما يساويها فيجعل المقدار المستحق بالدين مما في يده كأنه في غير ملكه وما فضل عنه فهو فيه بمنزلة من لا دين عليه وفي جعله الصدقة للغارمين دليل أيضا على أن الغارم إذا كان قويا مكتسبا فإن الصدقة تحل له إذ لم تفرق بين القادر على الكسب والعاجز عنه وزعم الشافعى أن من تحمل حمالة عشرة آلاف درهم وله مائة ألف درهم أن الصدقة تحل له وإن كان عليه دين من غير الحمالة لم تحل له واحتج فيه بحديث قبيصة ابن المخارق أنه تحمل حمالة فسأل النبي صلّى الله عليه وآله وسلم فيها فقال إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة رجل تحمل حمالة فيسأل فيها حتى يؤديها ورجل أصابته جائحة فاجتاحت ماله فيسأل حتى يصيب قواما من عيش ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى يشهد ثلاثة من ذوى الحجى من قومه إن فلانا أصابته فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش ثم يمسك وما سوى ذلك فهو سحت ومعلوم أن الحمالة وسائر الديون سواء لأن الحمالة هي الكفالة والحميل هو الكفيل فإذا كان النبي صلّى الله عليه وآله وسلم أجاز له المسألة لأجل ما عليه من دين الكفالة وقد علم مساواة دين الكفالة وقد علم لسائر الديون فلا فرق بين شيء منها فينبغي أن تكون إباحة المسألة لأجل الحمالة محمولة على أنه لم يقدر على أدائها وكان الغرم الذي لزمه بإزاء ما في يده من ماله كما نقول في سائر الديون وروى إسرائيل عن جابر بن أبى جعفر في قوله تعالى (والغارمين) قال المستدين في غير سرف حق على الإمام يقضى عنه وقال سعيد في قوله (والغارمين) قال ناس عليهم دين من غير فساد ولا إتلاف ولا تبذير فجعل الله لهم فيها سهما وإنما ذكر هؤلاء في الدين أنه من غير سرف ولا إفساد لأنه إذا كان مبذرا مفسدا لم يؤمن إذا قضى دينه أن يستدين مثله فيصرفه في الفساد فكرهوا قضاء دين مثله لئلا يجعله ذريعة إلى السرف والفساد ولا خلاف في جواز قضاء دين مثله ودفع الزكاة إليه وإنما ذكر هؤلاء عدم الفساد والتبذير فيما استدان على وجه الكراهة لا على وجه الإيجاب وروى عبيد الله بن موسى عن عثمان بن الأسود عن مجاهد في قوله (والغارمين) قال الغارم من ذهب السيل بماله أو أصابه حريق فأذهب ماله أو رجل له عيال لا يجد ما ينفق عليهم فيستدين قال أبو بكر أما من ذهب ماله وليس عليه دين فلا يسمى غريما لأن الغرم هو اللزوم والمطالبة فمن لزمه الدين يسمى غريما ومن له الدين أيضا يسمى غريما لأن له اللزوم والمطالبة فأما من ذهب ماله فليس بغريم وإنما يسمى