وإن لم يعلم حقيقة وهو كقوله (فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار) ومعلوم أنا لا نحيط بضمائرهن علما وإنما هو على ما يظهر من إيمانهن وقد قيل في قوله (وما كنا للغيب حافظين) معنيان أحدهما ما روى عن الحسن ومجاهد وقتادة ما كنا نشعر أن ابنك سيسرق والآخر ما قدمنا وهو أنا لا ندري باطن الأمر في السرقة* فان قيل لم جاز له استخراج الصاع من رحل أخيه على حال يوجب تهمته عند الناس مع براءة ساحته وغم أبيه وإخوته به قيل له لأنه كان في ذلك ضروب من الصلاح وقد كان ذلك عن مواطأة من أخيه له على ذلك وتلطف في إعلام أبيه بسلامتهما ولم يكن لأحد أن يتهمه بالسرقة مع إمكان أن يكون غيره جعله في رحله ولأن الله تعالى أمره بذلك تعريضا ليعقوب عليه السلام للبلوى بفقده أيضا ليصبر فيتضاعف ليعقوب عليه السلام الثواب الجزيل بصبره على فقدهما وفيما حكى الله تعالى من أمر يوسف وما عامل به إخوته في قوله (فلما جهزهم بجهازهم ـ إلى قوله ـ كذلك كدنا ليوسف) دلالة على إجازة الحيلة في التوصل إلى المباح واستخراج الحقوق وذلك لأن الله تعالى رضى ذلك من فعله ولم ينكره وقال في آخر القصة (كذلك كدنا ليوسف) ومن نحو ذلك قوله تعالى (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) وكان حلف أن يضربها عددا فأمره الله تعالى بأخذ الضغث وضربها به ليبر في يمينه من غير إيصال ألم كبير إليها ومن نحوه النهى عن التصريح بالخطبة وإباحة التوصل إلى إعلامها رغبته بالتعريض ومن جهة السنة حديث أبى سعيد الخدري وأبى هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه استعمل رجلا على خيبر فأتاه بتمر فقال له رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أكل تمر خيبر هكذا فقال لا والله إنما نأخذ الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال فلا تفعل بع الجميع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم تمرا كذا روى ذلك مالك بن أنس عن عبد المجيد بن سهيل عن سعيد بن المسيب عن أبى سعيد وأبى هريرة فحظر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم التفاضل في التمر وعلمه كيف يحتال في التوصل إلى أخذ هذا التمر ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلّم لهند خذي من مال أبى سفيان ما يكفيك وولدك بالمعروف فأمرها بالتوصل إلى أخذ حقها وحق ولدها وروى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان إذا أراد سفرا ورى بغيره وروى يونس ومعمر عن الزهري قال أرسلت بنوا قريظة إلى أبى سفيان بن حرب أن ائتونا فإنا سنغير على بيضة المسلمين من ورائهم فسمع ذلك نعيم بن مسعود وكان موادعا للنبي صلّى الله عليه وسلّم