وللباقلاني في التمهيد (ص ٢١٠) في بيان هذا الشرط وجه نُجلّ عنه ساحة كلّ متعلّم فاهم فضلاً عن عالم مثله.
ثمّ نأتي إلى عثمان فنحاسبه على قبوله لأوّل وهلة ، هل كان يعلم شيئاً ممّا قدّمناه من النسبة بين السنّة والسيرة أو لا؟ فهلاّ شرط الأمر على تقدير الموافقة ، ورفضه على فرض المخالفة. وإن كان لا يعلم فكيف قبل شرطاً لا يدري ما هو؟
ثمّ هل كان يعلم يومئذٍ أنّه يطيق على ذلك أو لا؟ أو كان يعلم أنّه لا يطيقه؟ وعلى الأخير فكيف قبل ما لا يطيقه؟ وعلى الثاني كيف أقدم على الخطر فيما لا يعلم أنّه يتسنّى له أن ينوء به؟ وعلى الأوّل فلما ذا خالف ما اشترط عليه وقبله ووقعت البيعة عليه ، وحصل القبول والرضا من الأُمّة به؟ ثمّ جاء يعتذر لمّا أخذه ابن عوف بمخالفته إيّاها بأنّه لا يطيق ذلك ، فقال فيما أخرجه أحمد في مسنده (١) (١ / ٦٨) من طريق شقيق : وأمّا قوله : إني لم أترك سنّة عمر ، فإنّي لا أُطيقها ولا هو. وذكره ابن كثير في تاريخه (٢) (٧ / ٢٠٦).
وكيفما أُجيب عن هذه المسائل فعبرتنا الآن بنظريّة عبد الرحمن بن عوف الأخيرة في الخليفة ، وهي من أوضح الحقائق لمن استشفّ ما ذكرناه من قوله له : إنّي أستعيذ بالله من بيعتك. وقوله لمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام : إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي. إلخ. مستحلاّ قتاله ، وقوله : عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه. وقد بالغ في الإنكار عليه ورأيه في سقوطه أنّه لم يره أهلاً للصلاة عليه وأوصى بذلك عند وفاته فصلّى عليه الزبير ، وهجره وحلف أن لا يكلّمه أبداً حتى أنّه حوّل وجهه إلى الحائط لمّا جاء عائداً ، وأنّه كان لا يرى لتصرّفاته نفوذاً ولذلك لمّا بلغه إعطاء عثمان إبل الصدقة لبعض بني الحكم أرسل إليها المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود
__________________
(١) مسند أحمد : ١ / ١٠٩ ح ٤٩٢.
(٢) البداية والنهاية : ٧ / ٢٣١ حوادث سنة ٣٥ ه.