ما جئتما إلاّ لتُفسدا الناس ، وأمر بهما فسجنا ، فأرسلا إلى محمد بن طلحة يسألانه أن يكلّمه فيهما لئلاّ يمنعهما من الغزو ، فأطلقهما ابن أبي سرح وغزا ابن أبي سرح إفريقية فأعدّ لهما سفينة مُفردة لئلاّ يُفسدا عليه الناس ، فمرض ابن أبي بكر فتخلّف وتخلّف معه ابن أبي حذيفة ، ثمّ إنّهما خرجا في جماعة الناس فما رجعا من غزاتهما إلاّ وقد أوغرا صدور الناس على عثمان ، فلمّا وافى ابن أبي سرح مصر وافاه كتاب عثمان بالمصير إليه ، فشخص إلى المدينة وخلف على مصر رجلاً كان هواه مع ابن أبي بكر وابن أبي حذيفة ، فكان ممّن شايعهم وشجّعهم على المسير إلى عثمان.
قالوا : وبعث عثمان إلى ابن أبي حذيفة بثلاثين ألف درهم وبحمل عليه كسوة فأمر فوضُع في المسجد وقال : يا معشر المسلمين ألا ترون إلى عثمان يخادعني عن ديني ويرشوني عليه؟ فازداد أهل مصر عيباً لعثمان وطعناً عليه ، واجتمعوا إلى ابن أبي حذيفة فرأسوه عليهم ، فلمّا بلغ عثمان ذلك دعا بعمّار بن ياسر فاعتذر إليه ممّا فعل به واستغفر الله منه وسأله أن لا يحقده عليه ، وقال : بحسبك من سلامتي لك ثقتي بك ، وسأله الشخوص إلى مصر ليأتيه بصحّة خبر ابن أبي حذيفة ، وحقّ ما بلغه عنه من باطله ، وأمره أن يقوم بعذره ، ويضمن عنه العُتبى لمن قدم عليه ، فلمّا ورد عمّار مصر (١) حرّض الناس على عثمان ودعاهم إلى خلعه ، وأشعلها عليه ، وقوى رأي ابن أبي حذيفة وابن أبي بكر وشجّعهما على المسير إلى المدينة ، فكتب ابن أبي سرح إلى عثمان يُعلمه ما كان من عمّار ، ويستأذنه في عقوبته ، فكتب إليه : بئس الرأي رأيت يا ابن أبي سرح فأحسن جهاز عمّار واحمله إليّ ، فتحرّك أهل مصر وقالوا : سُيّر عمّار ، ودبّ فيهم ابن أبي حذيفة ودعاهم إلى المسير فأجابوه (٢).
__________________
(١) سنوقفك على أنّ بعث عمّار إلى مصر قطّ لا يصحّ. (المؤلف)
(٢) أنساب البلاذري : ٥ / ٤٩ ـ ٥١ [٦ / ١٦٣ ـ ١٦٥] ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ١٥٧ [٧ / ١٧٧ حوادث سنة ٣١ ه]. (المؤلف)