وفيه فناءٌ شاملٌ وخزايةٌ |
|
وفيه اجتداعٌ للأنوف أصيلُ |
مصابُ أمير المؤمنين وهذه |
|
تكاد لها صمّ الجبال تزولُ |
فلِلّه عيناً من رأى مثل هالك |
|
أُصيب بلا ذنب وذاك جليلُ |
تداعت عليه بالمدينةِ عصبةٌ |
|
فريقان منها قاتلٌ وخذولُ |
دعاهم فصمُّوا عنه عند جوابه |
|
وذاكم على ما في النفوس دليلٌ |
ندمت على ما كان من تبعي الهوى |
|
وقصري (١) فيه حسرةٌ وعويلُ |
قال الأميني : إنّ زبدة مخض هذه الكلمات المعتضدة بعضها ببعض أنّ ابن هند لم يشذّ عن الصحابة في أمر عثمان ، وإنّما يفترق عنهم بأنّ أُولئك كانوا مهاجمين عليه أو خاذلين له ، وأمّا معاوية فقد اختصّ بالخذلان والتخذيل اللذين كان يروقه نتاجهما حتى وقع ما كان يحبّه ويتحرّاه ، وحتى حسب صفاء الجوّ لما كان يضمره من التشبّث بثارات عثمان ، والظاهر بعد الأخذ بمجامع هذه النقول عن أعاظم الصحابة وبعد تصوير الحادثة نفسها من شتّى المصادر أنّ لخذلان معاوية أتمّ مدخليّة في انتهاء أمر الخليفة إلى ما انتهى إليه ، والخاذل غير بعيد عن المجهز ، ومن هنا وهنا يقول له الإمام عليهالسلام : «فو الله ما قتل ابن عمّك غيرك». ويقول : «ولعمري ما قتله غيرك ، ولا خذله سواك» ، إلى كلمات آخرين لا تخفى عليهم نوايا الرجل ، فلو كان مستعجلاً بكتائبه إلى دخول المدينة ، غير متربّص قتل ابن عمّه لحاموا عنه ونصروه ، وكان مبلغ أمره عندئذٍ إمّا إلى الفوز بهم ، أو تراخي الأمر إلى أن يبلغه بقيّة الأنصار من بلاد أُخرى ، فيكون النصر بهم جميعاً ، لكن معاوية ما كان يريد ذلك وإنّما كان مستبطئ أجل الرجل ، طامعاً في تقلّده الخلافة من بعده ، فتركه والقوم ، فهو أظلم الظالمين إن كان قُتل مظلوماً كما قاله حبر الأُمّة ، أو أنّه من الصحابة العدول ـ كما يحسبه القوم ـ وهذا رأيه في الخليفة المقتول.
__________________
(١) قصري : أي حسبي ، يقال ، قصرك : أي حسبك وكفايتك. كما يقال : قصارك وقصاراك. (المؤلف)