وأمّا ما ذكرت ممّا يصيبنا إن نحن قتلناك من البلاء فإنّه لا ينبغي ترك إقامة الحقّ عليك مخافة الفتنة عاماً قابلاً.
وأمّا قولك : إنّه لا يحلّ إلاّ قتل ثلاثة فإنّا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سمّيت : قتل من سعى في الأرض فساداً ، وقتل من بغى ثمّ قاتل على بغيه ، وقتل من حال دون شيء من الحقّ ومنعه ثمّ قاتل دونه وكابر عليه ، وقد بغيت ، ومنعت الحقّ وحُلت دونه وكابرت عليه ، تأبى أن تقيد من نفسك من ظلمت عمداً ، وتمسّكت بالإمارة علينا ، وقد جرت في حكمك وقسمك ، فإن زعمت أنّك لم تُكابرنا عليه وأنّ الذين قاموا دونك ومنعوك منّا إنّما يقاتلون بغير أمرك فإنّما يقاتلون لتمسّكك بالإمارة ، فلو أنّك خلعت نفسك لانصرفوا عن القتال دونك.
قال البلاذري وغيره : لمّا بلغ أهل مصر ومن معهم ممّن حاصر عثمان ما كتب به إلى ابن عامر ومعاوية فزادهم ذلك شدّة عليه وجدّا في حصاره وحرصاً على معاجلته بالقتل.
وكان طلحة قد استولى على أمر الناس في الحصار ، وأمرهم بمنع من يدخل عليه والخروج من عنده ، وأن يُدخل إليه الماء ، وأتت أمّ حبيبة بنت أبي سفيان بأداوة وقد اشتدّ عليه الحصار فمنعوها من الدخول ، فقالت : إنّه كان المتولّي لوصايانا وأمر أيتامنا وأنا أُريد مناظرته في ذلك ، فأذنوا لها فأعطته الأداوة.
وقال جبير بن مطعم : حصر عثمان حتى كان لا يشرب إلاّ من فقير (١) في داره فدخلت على عليّ فقلت : أرضيت بهذا أن يُحصر ابن عمّتك حتى والله ما يشرب إلاّ من فقير في داره؟ فقال : سبحان الله أو قد بلغوا به هذه الحال؟ قلت : نعم ، فعمد إلى روايا ماء فأدخلها إليه فسقاه.
__________________
(١) الفقير : البئر القليلة الماء.