ولمّا وقعت الواقعة ، وقام القتال ، وقتل في المعركة زياد بن نعيم الفهري في ناس من أصحاب عثمان ، فلم يزل الناس يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الأنصاري باب داره وهو إلى جنب دار عثمان بن عفّان ثمّ نادى الناس فأقبلوا عليهم من داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا وخلّي لهم عن باب الدار فخرجوا هراباً في طرق المدينة. وبقي عثمان في أُناس من أهل بيته وأصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان رضى الله عنه.
أخرج ابن سعد والطبري من طريق عبد الرحمن بن محمد قال : إنّ محمد بن أبي بكر تسوّر على عثمان من دار عمرو بن حزم ومعه كنانة بن بشر بن عتاب ، وسودان ابن حمران ، وعمرو بن الحمق ، فوجدوا عثمان عند امرأته نائلة وهو يقرأ في المصحف سورة البقرة ، فتقدّمهم محمد بن أبي بكر فأخذ بلحية عثمان فقال : قد أخزاك الله يا نعثل ، فقال عثمان : لست بنعثل ، ولكن عبد الله وأمير المؤمنين. فقال محمد : ما أغنى عنك معاوية وفلان وفلان. فقال عثمان : يا ابن أخي دع عنك لحيتي ، فما كان أبوك ليقبض على ما قبضت عليه ، فقال محمد : ما أُريد بك أشدّ من قبضي على لحيتك. فقال عثمان : أستنصر الله عليك وأستعين به ، ثمّ طعن جبينه بمشقص (١) في يده.
وفي لفظ البلاذري : تناول عثمان المصحف ووضعه في حجره وقال : عباد الله لكم ما فيه ، والعتبى ممّا تكرهون ، اللهمّ اشهد ، فقال محمد بن أبي بكر : الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين! ثمّ رفع جماعة قداح كانت في يده فوجأ بها في خُششائه (٢) حتى وقعت في أوداجه فحزّت ولم تقطع ، فقال : عباد الله لا تقتلوني فتندموا وتختلفوا.
وفي لفظ ابن كثير : جاء محمد بن أبي بكر في ثلاثة عشر رجلاً فأخذ بلحيته فعال بها حتى سمعت وقع أضراسه ، فقال : ما أغنى عنك معاوية ، وما أغنى عنك ابن
__________________
(١) المشقص : نصل السهم إذا كان طويلاً غير عريض. (المؤلف)
(٢) الخششاء : العظم الدقيق العاري من الشعر الناتئ خلف الأذن. (المؤلف)