الإعدام المريح للأمّة من شرّه وفساده ، كما وقع ذلك كلّه على الصلحاء الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ، وهتاف القرآن الكريم يرنّ في مسامع الملأ الديني : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).
فهلاّ اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله ، وهل كان تجهّمه وغلظته قصراً على الأبرار من أُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ ففعل بهم ما فعل ممّا أسلفنا بعضه في هذا الجزء والجزء الثامن.
هب أنّ ابن سبأ هو الذي أمال الأمصار على مناوأة الخليفة فهل كان هو مختلقاً تلكم الأنباء من دون انطباقها على شيء من أعمال عثمان وولاته؟ فنهضت الأُمّة وفيهم وجوه المهاجرين والأنصار على لا شيء؟ أو أنّ ما كان يقوله قد انطبق على ما كانوا يأتون به من الجرائم والمآثم ، فكانت نهضة الأُمّة لاكتساحها نهضةً دينيّة يخضع لها كلّ مسلم ، وإن كان ابن اليهوديّة خلط نفسه بالناهضين لأيّ غاية راقته ، وما أكثر الأخلاط في الحركات الصحيحة من غير أن يمسّ كونهم مع الهائجين بشيء من كرامتهم!
ولو كان ما أنهاه إليهم ابن سبأ عزواً مختلقاً فهلاّ ـ لمّا قدمت وفود الأمصار المدينة ـ قال لهم المدنيّون : إنّ الرجل بريء من هذه القذائف والهنات وهو بين ظهرانيهم يرون ما يفعل ، ويسمعون ما يقول؟ لكنّهم بدلاً من ذلك أصفقوا مع القادمين ، بل صاروا هم القدوة والأسوة في تلك النهضة ، وكانوا قبل مقدمهم ناقمين عليه.
ونحن نصافق الدكتور طه حسين عند رأيه هاهنا ، حيث قال في كتابه الفتنة
__________________
(١) المائدة : ٣٣.