أمّا بعد ؛ فإنّي آخذ العمّال بموافاتي في كلّ موسم ، وقد سلّطت الأُمّة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فلا يُرفع عليّ شيء ولا على أحد من عمّالي إلاّ أعطيته ، وليس لي ولعيالي حقّ قبل الرعيّة إلاّ متروك لهم ، وقد رفع إليّ أهل المدينة أنّ أقواماً يُشتمون ، وآخرون يُضربون ، فيا من ضُرب سرّا وشُتم سرّا ، من ادّعى شيئاً من ذلك فليوافِ الموسم فليأخذ بحقّه حيث كان منّي أو من عمّالي أو تَصدّقوا فإنّ الله يجزي المتصدّقين.
فلمّا قرئ في الأمصار أبكى الناس ودعوا لعثمان وقالوا : إنّ الأُمّة لَتمخض بشرّ ، وبعث إلى عمّال الأمصار فقدموا عليه : عبد الله بن عامر ، ومعاوية ، وعبد الله بن سعد ، وأدخل معهم في المشورة سعيداً وعمراً ، فقال : ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الإذاعة؟ إنّي والله لخائف أن تكونوا مصدوقاً عليكم وما يُعصب هذا إلا بي ، فقالوا له : ألم تبعث؟ ألم نرجع إليك الخبر عن القوم؟ ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشيء؟ لا والله ما صدقوا ولا برّوا ولا نعلم لهذا الأمر أصلا ، وما كنت لتأخذ به أحداً فيقيمك على شيء ، وما هي إلا إذاعة لا يحلّ الأخذ بها ولا الانتهاء إليها.
قال : فأشيروا عليّ ، فقال سعيد بن العاص : هذا أمر مصنوع يصنع في السرّ فيلقى به غير ذي المعرفة ، فيخبر به فيتحدّث به في مجالسهم ، قال : فما دواء ذلك؟ قال : طلب هؤلاء القوم ، ثمّ قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم.
وقال عبد الله بن سعد : خُذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم ، فإنّه خير من أن تدعهم.
قال معاوية : قد ولّيتني فولّيت قوماً لا يأتيك عنهم إلاّ الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما.
قال : فما الرأي؟ قال : حسن الأدب. قال : فما ترى يا عمرو؟ قال : أرى أنّك قد لنت لهم ، وتراخيت عنهم ، وزدتهم على ما كان يصنع عمر ، فأرى أن تلزم طريقة