فريقاً من الذين اختصموا في قضيّة عثمان دون فريق ، فلست عثمانيّ الهوى ، ولست شيعة لعليّ ، ولست أفكّر في هذه القضيّة كما كان يفكّر فيها الذين عاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.
وأنا أعلم أنّ الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضيّة إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيّام عثمان ؛ فمنهم العثمانيّ الذي لا يعدل بعثمان أحداً من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بعد الشيخين ، ومنهم الشيعيّ الذي لا يعدل بعلىّ ; بعد النبيّ أحداً ، لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقاراً ، ومنهم من يتردّد بين هذا وذاك ، يقتصد في عثمانيّته شيئاً ، أو يقتصد في تشيّعه لعليّ شيئاً ، فيعرف لأصحاب النبيّ كلّهم مكانتهم ، ويعرف لأصحاب السابقة منهم سابقتهم ، ثم لا يفضّل بعد ذلك أحداً منهم على الآخر ، يرى أنّهم جميعاً قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمين ، فأخطأ منهم من أخطأ ، وأصاب منهم من أصاب ، ولأولئك وهؤلاء أجرهم لأنّهم لم يتعمّدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة ، وكلّ هؤلاء إنّما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها ويتفانون في سبيلها ، لأنّهم يفكّرون في هذه القضيّة تفكيراً دينيّا ، يصدرون فيه عن الإيمان ، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والاستمساك بيقينه وابتغاء رضوان الله بكلّ ما يعمل في ذلك أو يقول.
وأنا أُريد أن أنظر إلى هذه القضيّة نظرة خالصة مجرّدة لا تصدر عن عاطفة ولا هوى ، ولا تتأثّر بالإيمان ولا بالدين ، وإنّما هي نظرة المؤرّخ الذي يجرّد نفسه تجريداً كاملاً من النزعات والعواطف والأهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها ... إلخ.
هكذا يحسب الدكتور ويبدي أنّه لا يروقه النزول على حكم العاطفة ولا التحيّز إلى فئة أو جنوح إلى مذهب ، وقد تجرّد فيما كتب عن كلّ ذلك حتى عن الإيمان والدين ، وزعم أنّه قصر نظرته في قضايا عثمان على البساطة ليتسنّى له الحكم