ضروب المحن والفتن ، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه. انتهى.
هاهنا نجد الدكتور جارياً على ما عهد إلى نفسه تجرّد عن العواطف ، وجانب المبادئ الدينيّة ، وحايد الدين الحنيف حقّا ، ونظر إلى القضيّة بالحريّة المحضة ، وحسبها فتنةً يحقّ للعاقل أن يكون فيها كابن لبون لا ظهر فيرّكب ولا ضرع فيحلب ، ونعم الرأي هذا لو لا الإسلام المقدّس ، لو لا ما جاء به نبيّ العظمة ، لو لا ما نطق به كتاب الله العزيز ، لو لا ما تقتضيه فروض الإنسانيّة والعواطف البشريّة القاضية بخلاف ما ذهب إليه الدكتور ، وإنّي لست أقضي العجب منه ، ولست أدري كيف يُقدّس مذهب ابن أبي وقّاص؟ أيسوغ للباحث المسلم أن يصفح في تلكم القضايا عن حكم الدين المقدّس ، ويشذّ عمّا قرّره نبيّ الإسلام ، ويسحق العواطف كلّها حتى ما يستدعيه الطبع الإنساني والغريزة العادلة في كسح الفساد والتفاني دون صالح المجتمع العام؟ ألم يكن هنالك كتاب ناطق أو سنّة محكمة أو شريعة حاكمة أو عقل سليم يبعث الملأ الدينيّ إلى الدفاع عن كلّ مسلم مُدَّت إليه يد الظلم والجور فضلاً عن خليفة الوقت الواجب طاعته؟
ما الذي أحوج المتمسّك بعرى الدين الحنيف إلى سيف يعقل ويبصر وينطق والله يقول : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) (١). (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) (٢). (وَما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ) (٣)؟
ما الذي أذهل الدكتور عن قول الصحابي العظيم حذيفة بن اليمان : لا تضرّك الفتنة ما عرفت دينك ، إنّما الفتنة إذا اشتبه عليك الحقّ والباطل؟ وكيف يشتبه الحكم
__________________
(١) النساء : ٥٩.
(٢) العنكبوت : ٥١.
(٣) النحل : ٦٤.