إلى فضائل مفتعلة نتاج أيدي الأمويّين نسباً ونزعة ، ومن المأسوف عليه جدّا أنّه أكدى وإن اجتهد رأيه ، ولم يظفر بأمله وإن بالغ في الإحاطة بزعمه ، وأبرز لهذه الحقبة من تاريخ المسلمين صورة معقّدة معضلةً تخلو عن كلّ عظة وعبرة.
بسط القول في عبد الله بن سبأ وعزا إليه كل تلكم المعامع والثورات ، وحسبه مادّة الفكرة الناقمة على الخليفة وأساسها الوحيد في البلاد ، ورأى معظم الصحابة أتباع نعرات ذلك المبتدع الغاشم ، وطوع تلبيس ذلك اليهوديّ المهتوك ، قال في (ص ٤٢) : عند ذلك يجد ابن سبأ منفذاً إلى هذا الشيخ الزاهد ـ يعني أبا ذر ـ في عرض الدنيا فينشر آراءه في مجلسه ويغريه بالحكومة ويحرّضه على الأغنياء ، وصار يقول له : يا أبا ذر ألا تعجب لمعاوية يقول : المال مال الله ، ألا كلّ شيء لله؟ كأنّه يريد أن يحتجنه دون المسلمين ويمحو اسم المسلمين. ظلّ أبو ذر يدعو إلى الاشتراكيّة المتطرّفة بإرغام الأغنياء أن يساعدوا الفقراء ويتركوا أموالهم لهم ، واتّخذ برّ الإسلام بالفقراء سبيلاً إلى ذهاب المال من أربابه ، وما قصد الإسلام هذا بل كما قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (١). زيادة على الزكاة الشرعيّة. إلخ.
وقال في (ص ٦١) : أمّا عمّار فقد توجّه إلى مصر وكان حاكمها مُبغَضاً من المصريّين لا يجدون حرجاً في رميه بكلّ نقيصة ، واستطاع أتباع ابن سبأ بحذقهم ومهارتهم في ذلك المكفهر أن يخدعوه بزخرف القول وزوره ، وكان مع هذا في نفس عمّار شيء من عثمان لأنّه نفّذ فيه حكم الله لمّا تقاذف هو والعبّاس بن عتبة بن أبي لهب ، ولهذا لم يعد إلى الخليفة ، ولم يطلعه على شيء ممّا رأى ، ومال إلى اتباع ابن سبأ. انتهى.
هذه صفحة من تلك الصورة الواضحة التي وفّق الأستاذ لإبرازها ، هذه هي
__________________
(١) المعارج : ٢٤ ـ ٢٥.