بواعثه الأصليّة وإن رانت عليها الشبهات.
ولم نكتف بما قال المؤرخون ، بل مددنا بصرنا إلى أبعد من ذلك ، فحلّلنا شخصيّته ، وبينّا ما لها من صلة بالثورة عليه ، ودرسنا حال المسلمين وقد نعموا بالراحة والثراء وانساحوا في الأصقاع يخالطون الأعاجم ويصهرون إليهم ويتخلّقون بعاداتهم ، وحال قريش وما انتابها من تفرّق وتنازع على الرئاسة ، وبينّا صلة ذلك بالتجنّي على الخليفة ، وجلونا الفتنة التي أرّثها في الأمصار أعداء عثمان وأعداء الإسلام ، ونخلنا ذلك كله وصفّيناه ، واستخلصنا منه الأسباب الصريحة للفتنة.
ولم نغفل أن نعرض لما أُخذ على عثمان ، ولا أن ننتصف له حيث يستحقّ الإنصاف.
ومن حقّ عثمان أن تُخصّص لدراسته ودراسة عصره عشرات الكتب ، فإنّه الخليفة المهضوم الحقّ ، المظلوم في الحكم عليه ، على ما له من سابقة وفضل وإصلاحات ، وعصره عصر انتقال واضطراب وثورات سياسيّة واجتماعيّة.
ونحن وإن بالغنا في الإحاطة وتوقّي الزلل عرضة للتقصير ، ولكنّا اجتهدنا رأينا ، فنرجو أن نكون قد وُفّقنا لإبراز صورة واضحة لهذه الحقبة من تاريخ المسلمين ففيها عظات وعبر. والله المستعان. انتهى.
هذه لُفاظته ، وهذا حسن طويّته وحرصه على النجاح ، غير أنّك تجده في جمعه وتأليفه كحاطب ليل رزم في حزمته كلّ رطب ويابس ، وجاء يخبط خبط عشواء من دون أيّ فحص وتنقيب ، لا يفقه ولا ينقه ، لا يستصحب دراية في الحديث توقفه على الصحيح الثابت ، وتعرّفه الزائف البهرج ، ولا بصيرة تميّز له الحوّ من اللوّ (١) ، ولا علماً ناجعاً يجعجعه ويهديه إلى الفوز والنجاح ، ولا فقهاً ينجيه من غمرات تلكم المعارك الوبيلة ، ولا تثبّتاً يُرشده إلى ما يُنقذه من تلكم التلبيسات الملتوية ، جوّل في مضمار تلكم الطامّات التي جاء بها الطبري وغيره وحسبها أصولاً مُسلّمة ، واستند في آرائه
__________________
(١) أي : لا يعرف الحقّ من الباطل.