قال الأميني : ولا يكاد يصحّ انصراف طلحة مع إصراره الثابت في التشديد على عثمان إلى آخر نفس لفظه الرجل ، ولم يقنعه الإجهاز عليه حتى إنّه منعه عن الدفن في مقابر المسلمين ، وجعل ناساً هناك أكمنهم كميناً ورموا حملة جنازته بالحجارة وصاحوا : نعثل نعثل. وقال طلحة : يُدفن بدير سلع يعني مقابر اليهود ، ولذلك قال مروان لمّا قتل طلحة لأبان بن عثمان : قد كفيتك بعض قتلة أبيك ، ومروان كان شاهداً عليه من كثب (١).
ومن العجيب أنّ هذه المناشدة كانت في ذلك المحتشد الرحيب بمسمع من أُولئك الجمّ الغفير وكان لو أُلقي الحجر لم يقع إلاّ على رأس رجل لكنّها لم تكفئ أحداً منهم ، فهل كانوا معترفين بها معرضين عنها؟ فأين العدالة المزعومة فيهم؟ أو أنّهم عرفوا بطلانها وما صدّقوا الرجلين في دعواهما فتركوها في مدحرة الإعراض؟ أو لم تكن هنالك مناشدةً قطّ؟ وهو أقرب الوجوه إلى الحقّ.
ولو فرضنا أنّها أكفأت طلحة كما يحسبه مختلق هذه الرواية ، فإنّه لم يكن إلاّ إكفاءً وقتيّا ثمّ راجع طلحة رشده فعرف أنّها حجّة داحضة فاستمرّ على ما ثار له ، وثبت عنه من الثبات على عمله وتضييقه.
هذه غاية ما يمكن أن يقال متى تجشّمنا لوضع هذه المزعمة في بقعة الإمكان ، ومن المستصعب ذلك أو المتعذّر ، وقد أسلفنا أنّ الرفاقة المزعومة ليس من السهل تصديقها لعدم المجانسة بين الرفيقين قطّ ولو كانت من جهة.
والرفاقة كالأخوّة والصحبة ـ المنبعثة ثلاثتها عن التجانس في الخلل والمزايا ـ تخصّ بعليّ أمير المؤمنين عليهالسلام كما جاء مرفوعاً : «يا عليّ أنت أخي وصاحبي ورفيقي في الجنّة» (٢) ، وهذا التخصّص تعاضده البرهنة الثابتة ، ويؤيّد بالاعتبار.
__________________
(١) راجع ما مرّ في هذا الجزء : ص ٩١ ـ ١٠١. (المؤلف)
(٢) تاريخ الخطيب : ١٢ / ٢٦٨ [رقم ٦٧١٢]. (المؤلف)