نعم ؛ إنّ الحديثين لا يعوّل عليهما أيضاً لما في إسنادهما من داعية إلى الإرجاء يبغض أهل بيت نبيّه ، ومن مجهول منكر لا يُعرف ، ومن متحامل على أمير المؤمنين من الفئة الباغية ، فالحديثان كرواية ابن أبي الدنيا باطلان ، وما ذهب إليه القوم من أنّ الرجل كان يوم قتله صائماً منقبة مفتعلة لا تصحّ لاستنادهم فيها إلى تلكم الأباطيل التي اختلقتها يد الغلوّ في الفضائل.
١٨ ـ أخرج الحاكم وابن عساكر (١) وغيرهما من طريق محمد بن يونس الكديمي أبي العباس البصري ، عن هارون بن إسماعيل الخزّاز أبي الحسن البصري ، عن قرّة بن خالد السدوسي البصري ، قال : سمع الحسن البصري ، عن قيس بن عباد البصري ، قال : شهدت عليّا رضى الله عنه يوم الجمل يقول كذا : اللهمّ إنّي أبرأ إليك من دم عثمان ، ولقد طاش عقلي يوم قتل عثمان وأنكرت نفسي وأرادوني على البيعة ، فقلت : والله إنّي لأستحيي من الله أن أُبايع قوماً قتلوا رجلاً قال له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : ألا أستحيي ممّن تستحيي منه الملائكة. وإنّي لأستحيي من الله أن أُبايع وعثمان قتيل على الأرض لم يُدفن بعد فانصرفوا ، فلمّا دفن رجع الناس إليّ فسألوني البيعة ، فقلت : اللهمّ إنّي مشفق لما أُقدم عليه ثمّ جاءت عزيمة فبايعت ، فلقد قالوا : يا أمير المؤمنين فكأنّما صدع قلبي ، فقلت : اللهمّ خذ منّي لعثمان حتى ترضى. وفي لفظ ابن كثير : فلمّا قالوا : أمير المؤمنين. كان صدع قلبي وأمسكت (٢).
قال الأميني : ألا تعجب من الحاكم يذكر مثل هذه الأضحوكة ويعدّها ممّا استدرك به على الصحيحين ويمرّ بما فيها من اللغو كريماً؟ ولعلّ الذهبي عرف بطلانها ، غير أنّه لمّا وجدها في منقبة عثمان سكت عنها نهائيّا ولم يلخّصها ولم ينبس فيها ببنت
__________________
(١) تاريخ مدينة دمشق : ٣٩ / ٤٥٠ رقم ٤٦١٩ ، وفي مختصر تاريخ دمشق : ١٦ / ٢٥٢.
(٢) مستدرك الحاكم : ٣ / ١٠٣ [٣ / ١١١ ح ٤٥٥٦] ، تاريخ ابن كثير : ٧ / ١٩٣ [٧ / ٢١٦ حوادث سنة ٣٥ ه وفيه : وأسكت بدلاً من : وأمسكت]. (المؤلف)