أبا بكر وعمر كانا يعدّان لهذا المقام مقالاً وإنّي لم أُزوّر له خطبة ولا أعددت له كلاماً وسنعود فنقول (١)؟ أيّ خطيب يعوزه الكلام ويفتقر إلى تزوير مقال وفي ذاكرته كلام الله المجيد؟ وفيه بلغة وكفاية عن كلّ تلفيق وترميق وترميغ.
وهلاّ كان على الرجل أن يعمل بالقرآن الذي كان يختمه في صلاته؟ ألم يك في قرآنه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (٢) أو لم يكن أبو ذر وعمّار وابن مسعود والأُمّة الصالحة أمثالهم من المؤمنين؟ وقد آذاهم بالنفي والضرب والتنكيل وبكلّ ما كان يمكنه.
أما كان فيه قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٣)؟ وقد آذى الرسول في كريمته أُمّ كلثوم باقترافه ليلة وفاتها ، وبإيواء من طرده ولعنه ، وبإزراء صحابته الأكرمين وفي مقدّمهم ابن عمّه الطاهر ، وبتبديل سنّته والحياد عن محجّته.
أما كان فيه قوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤)؟ وقد خالف الله ورسوله ولم يطعهما ونبذ الكتاب والسنّة وراء ظهره في غير موضع من الأموال والصدقات والزكاة والصِّلات والصلاة والقطائع والأوقاف والحجّ والنكاح والحدود والديات (٥).
أما كان فيه ذكر لحدود الله؟ أو لم يكن فيه قوله سبحانه : (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٦)؟ وقد تعدّى الحدود ، ونسي العهود ، ونقض التوبة ، وحنث
__________________
(١) راجع الجزء الثامن : ص ١٦٣ ـ ١٦٤. (المؤلف)
(٢) الأحزاب : ٥٨.
(٣) التوبة : ٦١.
(٤) النساء : ٥٩.
(٥) فصّلنا القول في ذلك كله في الجزء الثامن. (المؤلف)
(٦) البقرة : ٢٢٩.