(١ / ٢١٣ : إنّ عامّة من أشار إلى قتل عثمان جُنّوا.
قال الأميني : أليست هذه المهزأة من فنون الجنون؟ انظر إلى عقل من جاء بها. أوّلاً : يزيد بن أبي حبيب ، ثمّ ارجع البصر كرّتين إلى عقل أولئك الحفّاظ الذين عدّوا مثل هذا التره التافه من فضائل عثمان وكراماته ، وإنّي أحسب أنّ في قول ابن سعد في ترجمة يزيد بن أبي حبيب : إنّه كان حليماً عاقلاً ، دفعاً لما يدخل هاجسة القارئ من روايته هذه ، لكنّه لا يثبت له العقل بعد ما حفظها له التاريخ ، كيف يصدّق ذو مسكة هذه السفسطة والركب السائرون إلى عثمان تُعدّ بالآلاف من رجال الحواضر الإسلاميّة وهم معروفون مشهورون ولم يُعرف أحد منهم بما قذفهم ابن حبيب؟ وما الذي أخفى ما عرف منهم الرجل على كلّ الصحابة والتابعين في الأوساط ولم يعلم به إلاّ هو فحسب؟
على أنّا نعرف جماهير من القوم لا نشكّ ولا يشكّ عاقل في ثبوت كمال العقل لهم إلى أن ماتوا أو قتلوا كسيّدنا عمّار بن ياسر ومالك الأشتر ، وكعب بن عبده ، وزيد ابن صوحان ، وصعصعة بن صوحان ، وعمرو بن بُديل بن ورقاء ، ومحمد بن أبي بكر ، وعمرو بن الحمق ، إلى نظرائهم الكثيرين وجلّهم من رجال الصحاح والمسانيد ، أخرج أئمّة الحديث من طرقهم أحاديث جمّة وصحّحوها ، ولم يتوقّف أحد منهم في شيء منها للجهل بصدورها قبل جنونهم أو بعده.
ولو أخذنا بلفظ القرماني فلا يشذّ من الجنون جلّ الصحابة من المهاجرين والأنصار إن لم نقل كلّهم لإطباقهم على قتل الرجل ، وفي مقدّمهم طلحة والزبير وعمرو بن العاص والسيدة عائشة أمّ المؤمنين.
ولعمر الحقّ إنّ المعتوه من شوّه صحيفة التاريخ بهذه الخزايات غلوّا منه في فضائل أُناس من الشجرة المنعوتة في القرآن. والله هو الحكم العدل.