فإنّي لا أدري أمقبل أنا فيه أم مدبر (١)!
وقد تحقّق يوم ذاك ما كان يحذر منه عمر بن الخطّاب (٢) وصدّق الخبر الخبر ، قال عبد الله بن عمر : جاء الزبير إلى عمر فقال لعمر : ائذن لي أن أخرج فأقاتل في سبيل الله. قال : حسبك قد قاتلت مع رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. فانطلق الزبير وهو يتذمّر ، فقال عمر : من يعذرني من أصحاب محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم؟ لو لا أنّي أمسك بفم هذا الشغب لأهلك أُمّة محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم (٣).
اللهمّ ما كان ذنب حكيم بن جبلة وسبعين أبرياء آخرين من عبد القيس قتلهم طلحة والزبير قبل وقوع الواقعة بعد ما نادى مناديهما بالبصرة : ألا من كان فيهم من قبائلكم أحد ممّن غزا المدينة فليأت بهم ، فجيء بهم كما يُجاء بالكلاب فقتلوا. قال : حكيم بن جبلة : لقد أصبحتم وإنّ دماءكم لنا لحلال بمن قتلتم من إخواننا ، أما تخافون الله عزّ وجلّ؟ بما تستحلّون سفك الدماء؟ قال ابن الزبير : بدم عثمان بن عفّان رضياللهعنه ، قال : فالذين قتلتموهم قتلوا عثمان؟ أما تخافون مقت الله؟ فقال له عبد الله ابن الزبير : لا نرزقكم من هذا الطعام ولا نخلّي سبيل عثمان بن حنيف حتى يخلع عليّا ، فقُتل حكيم بن جبلة وسبعون رجلاً من عبد القيس (٤).
فعلى الرجلين وأُمّهما دم ستّة آلاف أو يزيدون قتلى تلك الحرب الدامية ، (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها) (٥) ، و (مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً) (٦). ولنعم ما قال فتى بني سعد يوم ذاك :
__________________
(١) تاريخ الطبري : ٥ / ١٨٣ [٤ / ٤٧٥ ـ ٤٧٦ حوادث سنة ٣٦ ه]. (المؤلف)
(٢) إشارة إلى قول عبد الله بن عمر في صدر الرواية : قد كان يخاف منه الذي كان. أي خروجه.
(٣) تاريخ بغداد : ٧ / ٤٥٣ [رقم ٤٠٢٤]. (المؤلف)
(٤) تاريخ الطبري : ٥ / ١٨٠ ، ١٨٢ ، ١٨٣ [٤ / ٤٧٠ ، ٤٧٤ ، ٤٧٥ حوادث سنة ٣٦ ه]. (المؤلف)
(٥) النساء : ٩٣.
(٦) المائدة : ٣٢.